إعلام الأنظمة وكورونا: من نظريات المؤامرة إلى الاستغلال السياسي

إعلام الأنظمة وكورونا: من نظريات المؤامرة إلى الاستغلال السياسي

14 ابريل 2020
بروباغندا تظهر روسيا كمساعِدة (سيرغي سافوستيانوف\TASS)
+ الخط -
تستخدم وسائل الإعلام الروسية المدعومة من الدولة وباء كورونا لتدوير وجهات النظر المعادية للغرب، لكنّها ليست وحدها. إذ تشرح صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، في مقال، الدور الذي تلعبه وسائل إعلام السلطة في عدد من الدول حول العالم خلال تفشي كورونا، فتنشر نظريات المؤامرة والتضليل كما تستغلّ الأحداث لتسجيل النقاط السياسية، ليس فقط على صعيد بلدها الأمّ، لكن حول العالم أيضاً.

تعطي الصحيفة أمثلة حول روسيا والصين وإيران وتركيا وحتى الولايات المتحدة الأميركية والبرازيل. فقد دأبت الأنظمة السياسية على استغلال الأزمة الصحيّة لتسجيل نقاط في "حياة ما بعد كورونا"، على اعتبار أنّ "النظام العالمي سيتغيّر بعد الجائحة"، خصوصاً في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة المرتقبة.

وكانت من بين تلك المحاولات تقارير تصوّر جهود الدول الأخرى في القضاء على الوباء على أنّها "غير كفوءة"، ونشر نظريات المؤامرة حول أصول "كوفيد-19"، واعتبار دولها "قائدة عالمية" في مكافحة الفيروس، فيما كانت بعض الروايات بعيدةً كلّ البعد عن وسائل الإعلام في تلك البلدان الأربعة. 

شددت المنافذ المدعومة من الكرملين على عرض روسيا المعدات الطبية على إيطاليا والولايات المتحدة ودول أخرى. ثم تم اعتبار أي شكوك خارجية حول المساعدة مشاعرا معادية لروسيا. وتقول "واشنطن بوست" إنّه بعد وصول فرقة عسكرية روسية مزودة بمعدات طبية إلى روما الشهر الماضي، عثرت وسائل إعلام الكرملين الناطقة باللغة الإنكليزية، "آر تي" و"سبوتنيك"، على الذهب في الفيديو. حينها، سلّطت الضوء على رجل إيطالي يرفع علم روسيا بدلاً من علم الاتحاد الأوروبي، ساخرةً من "فشل" شركاء إيطاليا الأوروبيين في تقديم المساعدة إلى الدولة المنكوبة بالفيروس التاجي بينما روسيا "تملأ" الفراغ.

ولكن عندما أثيرت أسئلة حول جدوى المساعدة الروسية، بدّلت المنافذ المموّلة من الدولة من موقف الدفاع إلى موقف الهجوم. فقد ذكرت صحيفة "لا ستامبا" الإيطالية أن حوالي 80 بالمائة من الإمدادات "عديمة الفائدة"، نقلاً عن مصادر سياسية رفيعة المستوى. بعدها، أطلقت "آر تي" وصف "الجحود" على التقرير، معتبرةً أنّه يعتمد "تمزيق صفحة مباشرة من كتاب Russiagate لوسائل الإعلام الأميركية. وقالت القناة في عنوان آخر "كيف تعمل المعلومات المضللة حقًا: النشطاء المرتبطون بمركز أبحاث مؤيد لحلف الناتو يشوهون مساعدات كوفيد-19 الروسية لإيطاليا".

ركزت وسائل الإعلام المدعومة من الدولة في الصين إلى حد كبير على إبعاد البلاد عن أصول الفيروس. ونقلت قصة من شبكة التلفزيون العالمية الصينية، اقتباسًا من طبيب إيطالي قال إنّ الفيروس ربما كان ينتشر بين بعض الإيطاليين المسنين منذ نوفمبر/تشرين الثاني، قبل أنباء عن تفشي المرض في الصين. ثم استخدمت شبكة التلفزيون العالمية الصينية ذلك البيان لدفع فكرة أن الفيروس يمكن أن يأتي من "الصين أو الولايات المتحدة أو إيطاليا أو أي مكان آخر".

ونشرت كل من وكالة "مهر" للأنباء الإيرانية و"برس تي في"، نظريات المؤامرة بأن الفيروس تم إنشاؤه من قبل الولايات المتحدة، الأمر الذي شلّ الاقتصاد الإيراني إضافةً للعقوبات. وابتعدت وسائل الإعلام التركية إلى حد كبير عن نظريات المؤامرة، لكنّها سعت، بدلاً من ذلك، إلى تعزيز مظهر تعامل الدولة مع الفيروس من خلال "التدقيق" في كيفية تعامل الحكومات الغربية معه.

تؤكد دراسة لمعهد أوكسفورد للإنترنت أنّ جائحة كورونا أجبرت الناس في جميع أنحاء العالم على البقاء في الداخل، وقضاء المزيد من الوقت في مشاهدة الأخبار. حاولت وسائل الإعلام التي ترعاها الدول إلى جعل ذلك السلوك لصالح الأنظمة. فقد وجدت الدراسة التي حلّلت الأخبار المتعلقة بكورونا في وسائل الإعلام المدعومة من الدولة، باللغة الإنكليزية، في روسيا والصين وإيران وتركيا، أنّ بعض الموضوعات الشائعة يمكن أن تؤدي إلى تعتيم وتعقيد الجهود العالمية لمكافحة الوباء.

وقدمت قناة "فوكس نيوز" الأميركية المحافظة منصةً واسعة لترويج الرئيس دونالد ترامب لهيدروكسي كلوروكين كعلاج لفيروس كورونا، على الرغم من عدم وجود إجماع من خبراء الصحة على فعالية الدواء. في البرازيل، وصف الرئيس جايير بولسونارو تفشي المرض بأنه "فانتازيا" و"إنفلونزا صغيرة"، حتى أنّ "تويتر" حذف اثنين من تغريداته لنشره معلومات خاطئة عن الفيروس.


ويعتبر مدير معهد أوكسفورد للإنترنت، فيليب ن. هاورد، أنّ "انتقاد منظمة الصحة العالمية سائد أيضًا في المحتوى الذي درسه التقرير، وهو ما عززته هجمات ترامب الخاصة على وكالة الأمم المتحدة في الأيام الأخيرة". 

ويشير إلى أنّ الجمهور المستهدف لوسائل الإعلام الناطقة باللغة الإنكليزية في الصين وتركيا وإيران وروسيا هم مَن في الشتات، وكذلك "الأشخاص الذين يحبون نظريات المؤامرة في الغرب". غالبية المحتوى تتضمّن استغلالاً سياسياً ثقيلاً بدلاً من الأكاذيب الصريحة.

وخلال جلسة فيديوكونفرانس في مركز ويلسون، قالت نينا يانكوفيتش، التي تدرس التضليل في المركز، إنّ أغلب الدعاية الناجحة تستند إلى "الحقيقة العاطفية"، وأنّ نقص المعرفة حول الفيروس هو ما جعلها أرضًا خصبة. وأضافت: "نحن لا نتحدث عن التزييف. نحن نتحدث عن أشياء حقيقية جدًا جدًا للناس. وهذا ما يجذبهم ويتلاعب بهم".

المساهمون