الحرب على كورونا تقوض الحريات والحقوق المدنية

الحرب على كورونا تقوض الحريات والحقوق المدنية

11 ابريل 2020
اتُهم مودي بمحاولة تكميم أفواه الصحافيين (آرون سانكار/فرانس برس)
+ الخط -
في أرمينيا، يتعين على الصحافيين، بحكم القانون، وضع المعلومات الصادرة عن الحكومة في قصصهم الصحافية وتغطيتهم الإخبارية لمرض "كوفيد ــ 19"، الذي يتسبب فيه فيروس كورونا المستجد. وفي الفيليبين، قال رئيس البلاد لقوات الأمن إنهم ينبغي عليهم "إطلاق الرصاص وقتل" من ينتهكون إجراءات العزل العام. وفي المجر، أصبح بإمكان رئيس الوزراء أن يحكم بالمراسيم إلى أجل غير مسمى.

في أنحاء أوروبا والشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا والأميركتين، فرضت الحكومات حالة الطوارئ لوقف انتشار الفيروس، لتضع بعضاً من أشد القيود صرامة على الحريات المدنية منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001، حسب ما قال محامون وناشطون حقوقيون.

وفي الوقت الذي يتفق فيه مثل هؤلاء الخبراء على الحاجة لاتخاذ إجراءات استثنائية للتصدي للجائحة، التي فاق عدد ضحاياها أي جائحة أخرى خلال قرن، يشعر البعض بالقلق من خطر تردي أوضاع الحقوق الأساسية وعدم انحسار الإجراءات الاستثنائية بعد انتهاء الأزمة.

وقال المدير التنفيذي لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" كينيث روث: "من جوانب كثيرة، يثير الفيروس خطر تكرار رد الفعل على أحداث 11 سبتمبر"، في إشارة إلى الكم الهائل من التشريعات الأمنية والرقابية حول العالم، بعد هجمات تنظيم "القاعدة" على الولايات المتحدة التي قتل فيها قرابة 3000 شخص. وأضاف لوكالة "رويترز": "كان الناس يشعرون بالخوف، وطلبوا من الحكومات حمايتهم. استغلت حكومات كثيرة ذلك لتقويض الحقوق بشكل تجاوز كثيراً حدود التهديد الإرهابي".

وكان روث يتحدث عن تشريعات في دول بينها الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، التي كثفت جمع بيانات التأشيرات والهجرة ووسعت صلاحيات مكافحة الإرهاب. ومن الممكن أن تكتسب بعض التدابير المفروضة كرد فعل على أزمة من الأزمات صفة الإجراء الطبيعي، على غرار طوابير الواقفين للفحص الأمني في المطارات، في مقابل الشعور بمزيد من الأمان أثناء السفر.

وفي أعقاب تفشي فيروس كورونا المستجد، قال بعض المعلقين السياسيين والاجتماعيين إن المقايضات المماثلة قد تصبح مقبولة على نطاق واسع في مسائل مثل المراقبة. وأضافوا أن استخدام كوريا الجنوبية للهواتف المحمولة وغيرها من البيانات لتتبع حاملي الفيروس المحتملين وفرض الحجر الصحي، كان استراتيجية ناجحة ونموذجاً يمكن تكراره في أنحاء العالم، للحماية من الأوبئة.

وقال المستشار السياسي برونو مكاييس، وهو وزير برتغالي سابق، إن هواجس الناس بشأن الخصوصية جعلت من الصعب محاربة التهديدات، مثل الأوبئة التي يمكن أن تكون لتكنولوجيا التتبع فوائد في مكافحتها. وأضاف "تزداد قناعتي بأن أعظم معركة في عصرنا هي المعركة ضد تقديس الخصوصية. إنه يمكن أن يقتلنا جميعاً".

ومع انتشار الفيروس من الصين إلى أنحاء العالم، وبعد إصابة أكثر من 1.4 مليون إنسان، أقرت الحكومات قوانين وأصدرت أوامر واجبة النفاذ. وتتصدر تدابير حماية الصحة العامة والحد من انتشار المرض قائمة الأولويات. وقال المحامي البارز في مجال حقوق الإنسان، كلايف ستافورد سميث، "إنها أزمة فوق العادة تماماً، ولا أرى مشكلة في الواقع في اتخاذ الحكومات إجراءات معقولة ولو كانت فوق العادة لحماية الأفراد".

وأنشأ "المركز الدولي للقانون" غير الهادف للربح، ومقره في الولايات المتحدة، قاعدة بيانات لتتبع التشريعات وطريقة تأثيرها على الحريات المدنية وحقوق الإنسان. وبحسب إحصاءاته، أصدرت 68 دولة حتى الآن إعلانات طوارئ، في حين أقرت تسع دول تدابير تؤثر على حرية التعبير، وشددت 11 دولة إجراءات المراقبة، وفرضت 72 دولة قيودا على التجمعات.

في المجر، على سبيل المثال، مُنح رئيس الوزراء فيكتور أوربان، الذي يهيمن حزبه على البرلمان، حق الحكم بالمراسيم لمكافحة الوباء، من دون وضع حدود زمنية لهذه الصلاحيات، وإمكانية سجن الأشخاص لمدد تصل إلى خمس سنوات إذا نشروا معلومات كاذبة أو عرقلوا جهود القضاء على الفيروس. وقالت الحكومة المجرية إن القانون لم يخولها سوى اتخاذ الإجراءات المطلوبة "للوقاية من فيروس كورونا والسيطرة والقضاء عليه". وقال المتحدث زولان كوفاكس إن لا أحد يعرف إلى متى سيستمر الوباء، لكن بإمكان البرلمان إلغاء الصلاحيات الإضافية.

وعلى صعيد آخر، وضعت صياغة لقانون للطوارئ في كمبوديا تمنح سلطات إضافية لرئيس الوزراء هون سين، الذي يحكم البلاد منذ 35 عاماً، وتندد الدول الغربية بقمعه للمعارضين وجماعات الحقوق المدنية ووسائل الإعلام. ومدة القانون ثلاثة أشهر، ويمكن تمديدها إذا لزم الأمر. ولم ترد الحكومة الكمبودية على طلب للتعليق. ودافع هون سين عن القانون في مؤتمر صحافي هذا الأسبوع، قائلاً إنه ضروري لكي يتمكن من إعلان حالة الطوارئ، إذا لزم الأمر، لمنع انتشار الفيروس وإنقاذ الاقتصاد.

وفي مكان آخر جنوب شرقي آسيا، استدعى رئيس الوزراء التايلاندي برايوت تشان أوتشا، وهو زعيم انقلاب سابق احتفظ بالسلطة بعد انتخابات متنازع عليها العام الماضي، صلاحيات الطوارئ التي تسمح له باللجوء إلى الحكم بالمراسيم. وتستمر هذه الصلاحيات حتى نهاية الشهر، لكن يمكن تمديد أجلها أيضاً. وقالت المتحدثة باسم الحكومة التايلاندية نارومون بينيوسينوات إن "الحكومة تستخدم سلطات الطوارئ فحسب عند الضرورة لاحتواء انتشار فيروس كورونا".

وفي الفيليبين، قال قائد الشرطة إن أوامر الرئيس رودريغو دوتيرتي بإطلاق النار على منتهكي إجراءات العزل العام دليل على جديته، وليست إشارة بإطلاق النار على الأشخاص. ولم يرد المتحدث باسم الرئاسة ولا أمين مجلس الوزراء على طلب للتعليق.

يرى روث وغيره من المدافعين عن حقوق الإنسان أن المخاطر لا تقتصر على الحريات الأساسية فحسب، بل على الصحة العامة أيضاً. ويقولون إن القيود المفروضة على وسائل الإعلام يمكن أن تحد، على سبيل المثال، من نشر المعلومات التي تساعد على وقف انتشار الفيروس.

واتهم معارضون رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بمحاولة تكميم الأفواه من خلال مطالبة الصحافيين بالحصول على تصريح من الحكومة قبل نشر أخبار عن الفيروس، وهو طلب رفضته المحكمة العليا في الهند. وتتهم وسائل الإعلام مودي بعدم الاستعداد لمواجهة الفيروس، بما في ذلك عدم كفاية معدات الحماية للعاملين في قطاع الصحة. ولم ترد الحكومة الهندية على طلب التعليق، في حين قالت حكومة أرمينيا إنها ليس لديها تعليق على الفور.

وتشير كلتا الحكومتين إلى أنهما تريدان منع انتشار معلومات مضللة يمكن أن تعطل جهود السيطرة على الفيروس. وحذر كارل دولان، من "معهد السياسة الأوروبية للمجتمع المفتوح"، من اتجاه بعض الحكومات إلى استبقاء سلطات استثنائية في قوانينها، بعد زمن طويل من اختفاء التهديد، الذي صدرت أصلاً للتصدي له. واقترح دولان إجراء مراجعة إلزامية لمثل هذه التدابير كل ستة أشهر على الأقل، محذراً من خطر "الانزلاق التدريجي نحو الاستبداد".

(رويترز)

المساهمون