إسرائيل تتجه لإعطاء تسهيلات للفلسطينيين كبديل عن الدولة الفلسطينية

إسرائيل تتجه لإعطاء تسهيلات للفلسطينيين كبديل عن الدولة الفلسطينية

22 أكتوبر 2014
اتجاه إسرائيلي لإعطاء تسهيلات حياتية للفلسطينيين (مناحيم كهانا/فرانس برس)
+ الخط -

تدلّ كل المؤشرات على أن إسرائيل باتت تستعيض عن خيار قيام "الدولة الفلسطينية"، بتقديم سلسلة من التسهيلات الاقتصادية والحياتية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومما عزّز هذا التوجّه الرسمي لإسرائيل، حقيقة أنه بات يحظى بدعم معلن من قِبل الجيش ومحافل التقدير المهنية، التي تحتكر رسمياً تقديم التقييمات الاستراتيجية لدوائر صنع القرار في تل أبيب، لا سيما ما يُعرف بـ"لواء الأبحاث" في شعبة الاستخبارات العسكرية.

ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الأحد الماضي، عن جنرال إسرائيلي لم تسمه، قوله إنه "لا يُمكن قبول مطالبة الولايات المتحدة والأوروبيين بتفعيل مسار تفاوضي، يفضي إلى تأسيس دولة فلسطينية في الضفة الغربية".

وبحسب هذا الجنرال، فإن تل أبيب ترفض الرؤية الغربية القائلة، إن قيام دولة فلسطينية يساعد العالم العربي على الانضمام إلى جهود الغرب في مواجهة "قوى الإسلام المتطرف"، لا سيما تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

ويرى الجنرال أن تعاظم دور وفاعلية الحركات "الجهادية" الإسلامية، تحديداً، يفرض على إسرائيل عدم التنازل عن أي مساحة من الأرض في الضفة الغربية وإقامة الدولة الفلسطينية عليها، خوفاً من أن تسقط هذه الدولة تحت سيطرة "حماس" أو الحركات "الجهادية".

ويُعدّ التنازل عن الضفة الغربية "انتحاراً" لإسرائيل، على اعتبار أن سيطرة "حماس" على هذه الدولة، كنتاج أي مسار انتخابي مستقبلي، يعني تهديد العمق الاستراتيجي بشكل كبير. واعتبر أن نتائج الحرب الأخيرة على غزة تعزز هذه القناعات، وتفرض على دوائر صنع القرار في تل أبيب، عدم الموافقة على إخلاء أي مناطق فلسطينية، إذ إنها ستتحول إلى حاضنة للمقاومة العسكرية ضد إسرائيل.

ويضع الجنرال الإسرائيلي شرطين لموافقة إسرائيل على بحث إقامة الدولة الفلسطينية مستقبلاً، وهما: استقرار الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط، والقضاء على خطر الحركات الجهادية الإسلامية بشكل كامل.

لكن قيادة الجيش الإسرائيلي، تعي أنه يتوجب عدم الاكتفاء برفض خيار الدولة الفلسطينية، على اعتبار أن بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، سيفضي إما إلى تفجّر انتفاضة في الضفة الغربية، بسبب الجمود في المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، أو اندلاع حرب جديدة مع "حماس" بسبب الحصار الخانق المفروض على القطاع.

ويشير المعلّق العسكري لموقع "يديعوت أحرونوت" رون بن يشاي، إلى أن هذا ما دفع الحكومة وقيادة الجيش إلى بلورة استراتيجية "إدارة الصراع" مع الفلسطينيين، عبر التوسع في منح التسهيلات الاقتصادية والحياتية لهم لإغرائهم بعدم التوجه لخيارات "عنيفة".

ويلفت بن يشاي في مقال نشره الموقع الجمعة الماضي، إلى أن هناك إجماعاً في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، على أن الحصار المطلق الذي تفرضه إسرائيل ومصر على قطاع غزة تسبّب فقط في إلحاق ضرر كبير بمصالح إسرائيل الاستراتيجية. ويوضح أنه تبيّن بالدليل القاطع أن الحصار أدى فقط إلى توثيق العلاقة بين الحركة الإسلامية (حماس) والجمهور الغزّي، الذي يعاني آثار الحصار، وهذا ما دفع الكثير من الغزيين للانضمام إلى "حماس" والانخراط في جهازها العسكري.

ويشير بن يشاي إلى حقيقة أن إسرائيل تراهن على الدور المصري لضمان نجاحها في استراتيجية "إدارة الصراع" في مواجهة الفلسطينيين. ولفت إلى أن "رئيس الاستخبارات العامة المصرية، اللواء محمد التهامي، يُبدي تعاوناً كبيراً في هذا الخصوص مع رئيس الدائرة السياسية الأمنية في وزارة الحرب الإسرائيلية، الجنرال عاموس جلعاد".

وعلى الرغم من حملة الانتقادات التي توجّهها السلطة الفلسطينية لإسرائيل، بسبب تواصل الاستيطان والتهويد والاعتداءات على المسجد الأقصى، فإن بن يشاي يشير إلى قناة اتصال "حيوية" تربط كلا من منسّق شؤون الأراضي الفلسطينية المحتلة في وزارة الحرب الإسرائيلية، الجنرال يوآف مردخاي، ورئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمدالله، تُسهم في نجاح الاستراتيجية، إذ تلتزم إسرائيل بتقديم تسهيلات حياتية واقتصادية للفلسطينيين، مقابل التزام السلطة الفلسطينية بمنع تفجّر الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية.

ومما لا شك فيه، أن أوضح مساهمة للسلطة الفلسطينية في إنجاح استراتيجية "إدارة الصراع" التي تنتهجها إسرائيل، تتمثل في التعهّد الذي قدمه الرئيس الفلسطيني محمود عباس لوزير الخارجية الأميركية جون كيري في لقائهما أخيراً، إذ التزم عباس بالحفاظ على الهدوء في الضفة الغربية حتى عام 2015، كما كشفت ذلك صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في عددها الصادر الجمعة الماضي.

لكن موافقة السلطة الفلسطينية على لعب دور في استراتيجية "إدارة الصراع" تحت ضغط وتأثير الإدارة الأميركية، أثارت استهجان حتى بعض المعلقين الإسرائيليين. ففي مقال نشره الكاتب جدعون ليفي، الأحد الماضي، في صحيفة "هآرتس"، اتهم الكاتب الولايات المتحدة بالمسؤولية عن تواصل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال "استسلامها" المطلق للإملاءات الإسرائيلية.

وحثّ ليفي الولايات المتحدة على عدم التدخل في شؤون الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مشدداً على أنه لم يحدث أن كانت هناك مساهمة إيجابية للولايات المتحدة في حلّ الصراع. وأكد أن الولايات المتحدة "لم تكن في يوم من الأيام وسيطاً نزيهاً لحل الصراع، وليس بوسعها أن تقوم بهذا الدور". وأشار إلى أن كل اتفاقات التسوية التي اُنجزت تمت من خلف ظهر الولايات المتحدة.