يشهد العالم اليوم تغيّراً سريعاً في ظل جائحة كورونا، ما يضعنا أمام خيارات جديدة لتغيير نمط حياتنا وحياة أطفالنا في ظل التعبئة العامة والالتزام بالحجر المنزلي. خسر الأطفال روتينهم اليومي، إذ إنّ إقفال المدارس لما يقارب سبعة أشهر كان له تأثير سلبي على الأطفال، وقد حرموا من ممارسة أنشطتهم اليومية التي اعتادوها، إضافة إلى لقاء أصدقائهم.
والخروج برفقة الأهل أصبح واقعاً على الطفل والأهل التعامل معه. كما أن البحث عن بدائل للطفل ليس بالأمر السهل. فأصبحت ألعاب الفيديو من البدائل التي ترافق الأطفال خلال الحجر المنزلي، للحد من الملل وتعويض خسارة طريقة حياتهم التي اعتادوها.
تقول وسام خشيش، وهي أم لطفل في الخامسة من عمره: "لم يكن ابني معتاداً على الألعاب الإلكترونية. لكنني اضطررت إلى أن أشتري له لوحاً ذكياً (ipad) خلال فترة إنجابي التي تزامنت مع بداية جائحة كورونا، فأصبح مدمناً على ألعاب الفيديو بعدما كان يكتفي بمشاهدة فيديوهات على يوتيوب لبعض الوقت. ووصل إلى مرحلة إذا توقف فيها عن اللعب بسبب انقطاع الكهرباء، لا يجد ما يفعله. وهذا نتيجة بقائه في المنزل والانقطاع عن العالم الخارجي. في السابق، كنا نقوم بأنشطة معاً، مثل قيادة الدراجة الهوائية في الحديقة وزيارة الأصدقاء. أما اليوم، فنحن محصورون في مساحة ضيقة. فكيف يمكنه ملء هذا الفراغ؟".
وترى خشيش أن للألعاب تأثيراً على سلوك الطفل، إذ أصبح ابنها أكثر عصبية وانطوائية ولا يرغب في الخروج من المنزل بسبب تعلقه بهذه الألعاب. "كأم، أحاول استيعابه للحد من سلوكه العدواني. طفلي لم يعد يحتمل الحجر ويسأل عن توقيت العودة إلى مدرسته وأصدقائه".
إلى ذلك، تؤكد الاختصاصية النفسية والخبيرة في سلوك الأطفال أسمهان صالح، أن تأثير كورونا والحجر المنزلي على الأطفال لا يختلف عن تأثيره على الكبار، أي عدم لقاء الأصدقاء وعدم الاقتراب من الاشخاص الذين نحب والابتعاد عن العائلة، ما يؤدي إلى نقص عاطفي. تضيف: "يجب الالتفات إلى أهمية ما يشاهده الأطفال، خصوصاً الإعلانات السريعة والألعاب"، مشيرة إلى أن "الأطفال أصبحوا أقل صبراً بعد دخول التكنولوجيا إلى حياتهم. والسرعة التي باتوا يعيشونها ستؤثر حتماً على سلوكهم. نراهم أكثر عصبية إذا ما حُرموا من هذه التكنولوجيا التي يعتمدون عليها بشكل كبير، ويعتبرون أن حرمانهم منها انعزال إضافي مع ما يعيشونه حالياً". تضيف أن "الهاتف وألعاب الفيديو أصبحت روتيناً يومياً مع إقفال المدارس وحرمانهم من العطلة الصيفية، إذ إن طبيعة الإنسان تميل إلى الروتين الذي يجد فيه أمانه وراحته، والتكنولوجيا توفر هذا الروتين بالشكل الذي يبحث عنه".
أما سمر مجذوب، وهي أم لطفل عمره 9 سنوات، فتقول: "كان ابني يهوى ممارسة النشاطات على أنواعها، ويحب اللعب مع أصدقائه. لم يكن يهتم بألعاب الفيديو على الإطلاق. لكن مع بداية الحجر، بدأ يتعلق بألعاب الفيديو، وأصبح ينام في وقت متأخر ويصحو باكراً ويدرس لمدة ساعتين فقط. وإذا وجهت إليه أي ملاحظة أو طالبته بالاهتمام بدراسته، يبدأ بالبكاء والصراخ بحجة الحجر. في أحد الأيام انقطع الإنترنت وبدأ يصرخ: لشو حياتي؟".
في الوقت الحالي، باتت تشجعه على الخروج من المنزل بعد فتح المطاعم والأماكن العامة، إلا أنه يرفض بحجة أنه يلعب بألعاب الفيديو ولا يريد تركها. "أحاول كأم ألا أضغط عليه كي لا يشعر بالمزيد من الوحدة في ظل الظروف التي يمر بها العالم". تتابع: "ما يحزنني أكثر أن طفلي كان رياضياً وصحته جيدة. لكن مع بقائه في المنزل وقضاء كل وقته بين تناول الطعام وألعاب الفيديو، ازداد وزنه، وهذا أمر مقلق. أنا من الأمهات اللواتي يحرصن على صحة أطفالهن النفسية. كنت أرفض أن يدمن طفلي على هذه الألعاب وأنتقد الأمهات الأخريات. في الوقت الحالي، أعاني من الأمر نفسه ولا أعرف ما الحل".
من جهتها، ترى صالح أنه "علينا البحث عن النقص الذي تؤمنه هذه التكنولوجيا، كبديل عن العائلة والأصدقاء. التكنولوجيا لا تنحصر بأمر واحد، بل تتعلق بالتواصل والبحث والألعاب والأفلام، طبعاً كلّ بحسب حاجته. والسؤال هو: كيف نستطيع تأمين البديل لهذا الطفل أو المراهق؟ نعلم أن هذه الألعاب تثبت للطفل أن لديه مهارة من خلال اجتيازه مراحل عدة ضمن اللعبة. هنا، علينا تأمين بديل في العالم الحقيقي يكون فيه الطفل على معرفة ومهارة بهذا البديل من دون اللجوء إلى منع التكنولوجيا بشكل تام كي لا نحرم الطفل المصدر المهم للثقة بالنسبة إليه".
وتشير إلى أن "التنظيم من الأساسيات المطلوبة لتجنب مخاطر الإدمان على التكنولوجيا. بعد الانتهاء من الواجبات المدرسية مثلاً، أو بعد إنجاز أي نشاط مُتفق عليه بين الأهل والطفل، يمكن للأهل السماح له باللعب بعض الوقت بألعاب الفيديو أو الهاتف، مع تجنب إعطاء الطفل الهاتف في الصباح الباكر أو قبل النوم مباشرةً".