أسس الهيمنة الأميركية

أسس الهيمنة الأميركية

25 أكتوبر 2017
أزمة الصواريخ إلى كوبا زادت مراكز الأبحاث (Getty)
+ الخط -
ليست الهيمنة الأميركية التي يتحدث عنها اليساريون على الصعيد العالمي مجرد انعكاس للنظام الرئاسي وتنافس الحزبين الجمهوري والديمقراطي وتنوع الأعراق. كذلك، هي ليست تعبيراً عن تلك القدرات العسكرية التي راكمتها هذه الدولة التي لم تتعرض للاحتلال والدمار. الهيمنة أعمق من هذا المظهر وذاك، إذ المعروف في ما يعنينا أنّ الولايات المتحدة تملك أكبر عدد من مراكز الأبحاث في العالم، وترصد عمليات تمويل خرافية لها بواسطة الإنفاق الحكومي ومن الشركات والأفراد، حتى أنّها صرفت على تفكيك الجين البشري عشرة أضعاف ما أنفقته أوروبا مجتمعة. هذا الإنفاق يجعلها أكبر مجمع لجذب الباحثين والعلماء من مختلف دول العالم. وعليه، من حق الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أن يتباهى أنّ ستة من العلماء الذين حصلوا على جوائز نوبل قبل رحيله وفي مجالات علمية مختلفة كانوا من المهاجرين إلى بلاده.

قد يظن البعض أنّ مراكز الأبحاث في أميركا ذات نشوء قريب وترتبط بظاهرة العولمة الحديثة، وهو ما ليس صحيحاً، فقد تأسس معهد "كارنيغي للسلام" عام 1910 وتلاه معهد "بروكينغز" عام 1916، وتبعهما معهد "هوفر" عام 1918، ومؤسسة "القرن" عام 1919. يلاحظ أنّ نشوء هذه المعاهد سبق ظهور الولايات المتحدة على المسرح الدولي، ولعله يرتبط بالجدل الذي دار خلال تلك الحقبة حول جدوى أو عدم جدوى سياسة العزلة (مبدأ مونرو) التي انتهجتها، علماً أنّ مبادئ ويلسون الأربعة عشر المعروفة نهاية الحرب العالمية الأولى وفشلها في صد شهية دول الاستعمار الأوروبي على تقاسم العالم لم يمنعها من الدخول في المسار نفسه لتأمين المواقع الاستراتيجية والأسواق والمواد الأولية، ناهيك عن النفوذ السياسي.

وخلال حقبة ما قبل وخلال الحرب الباردة، توسّع انتشار مراكز الأبحاث والدراسات، وتضاعف نشاطها. ففي فترة الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، زادت وتيرة إنشاء المراكز، وظهر معهد "إنتربرايز لأبحاث السياسات العامة" عام 1943، ومعهد "دراسات الشرق الأوسط" عام 1948، ومؤسسة "راند" عام 1948، ومركز أبحاث "فض النزاعات" في جامعة "ميشيغان" عام 1959.

أيضاً كانت العديد من العواصم الأوروبية تشهد قيام مؤسسات مماثلة، ففي لندن تأسس "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" عام 1958، وفي السويد قام معهد "ستوكهولم لأبحاث السلام" عام 1966، وغيره من المراكز في أميركا وأوروبا.

أما الحقبة التي شهدت أوسع تطور في العديد من مراكز الأبحاث هي تلك التي ارتبطت بمرحلة السبعينيات حتى نهاية القرن إذ بلغ عددها نحو 5 آلاف مركز. وقد تكون قضية الصواريخ السوفياتية في كوبا وراء مثل هذه الطفرة، باعتبارها هي التي وضعت العالم على محك الامتحان الذي أمكن اجتيازه، من دون الجزم بعدم تكراره ثانية على نحو انفجاري. بالطبع، خلال تلك الفترة ظهر كثير من الأبحاث والدراسات والتقارير التي تناولت الجوانب الاستراتيجية والعسكرية في سياسة الجبّارَين، ومعهما أيضاً قوى السلام العالمي باعتبار هذا الكم الهائل من التسلح من شأنه في حال حدوث خطأ ما أن ينفخ في صُور نهاية البشرية.

(أستاذ جامعي)