أحب السيسي وضاحي خلفان

أحب السيسي وضاحي خلفان

06 ابريل 2014
+ الخط -

أصبح الفريق ضاحي خلفان نجماً إعلامياً بامتياز، وهذا ليس توصيف مدح، بقدر ما هو تقرير واقع مريض. لم يكتسب الرجل النجومية من مهارات مميزة في التحقيق والأمن، عندما كان قائداً عاما لشرطة دبي بين 1980 -2013، بل من الظهور الإعلامي المكثف، للحديث بشكل غير موزون عن موضوعات موزونة.
ما دامت الميديا والإعلام محل نجوميته، فالاقتراب من شخصيته يعيننا على فهم وضعية الإعلام الخليجي أكثر. إعلام لا يُسائل أبداً، مشغولٌ بحملات الهجوم، وصناعة مواقف الكراهية، لا صناعة الرأي والموقف السياسي. يستخدم استراتيجية الشيطنة، واللعب على غرائز الجمهور، بدل الإقناع وتوجيه الرأي وإبراز الحقائق والمعلومات. لذلك، تبدو الساحة الإعلامية مواتيةً لصناعة نجومية على مقياس خلفان.
تقوم السياسة الأمنية الإعلامية التي يقدم نموذجها ضاحي خلفان على ما يقترب من فكرة تأليه الحاكم في الخليج، كل ما يمكن أن يكون فيه مساس بالحاكم ومقامه، في الإعلام الرسمي، أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو الإعلام الخاص، يعتبر تجاوزاً أمنياً، تنبغي مواجهته أمنياً وإعلامياً. ليس هذا فقط، بل على النخبة وصناع الرأي في الإعلام أن يؤيدوا ما يؤيده الحاكم، ويجرّموا ما يجرّمه من ثورات وتغيرات في الوطن العربي، وفي العالم، ويحبوا ما يحبه.
هذا ما تعبر عنه بدقة شديدة تويته للكاتبة السعودية، سمر المقرن، على حسابها في موقع تويتر: "الله يشهد أنني أحب السيسي وضاحي خلفان، وكل من يقهر اﻹخوان في الله، وأن يحشرني مع نور وجوههم، يوم تسود وجوه تجار الدين.. آمين". وفق هذه السياسة، ينخرط كتاب وفنانون وصحفيون وإعلاميون ودعاة. يفقد الجميع حريته في القول من أجل حاكم الجميع، سنعطيكم الرفاهية والمال، والتزموا الطاعة، بل وأظهروها.
في قناة روتانا، في برنامج "في الصميم"، يفاضل ضاحي خلفان بين نظامي القبائل والأحزاب. يعتبر أَن تجربة الأحزاب في الغرب تعود إلى أن الغربيين ليس لهم نسب وتسلسل عائلي، الحزب قبيلة لمن لا قبيلة له. ويقول إننا أخطأنا، لأننا شوهنا سمعة القبيلة.
دخول ضاحي خلفان على الإعلام بهذه الكثافة، مكّنه من تحويل الملفات المبتلاة بالاختلاف، وتعدد وجهات النظر، إلى ملفاتٍ أمنيةٍ مجرمةٍ بامتياز. على سبيل المثال، الحراك السياسي السلمي المطالب بالملكيات الدستورية مجرّم في نظره، والتواصل مع منظمات المجتمع المدني الغربي مؤامرة، وعدم طاعة ولي الأمر خطيئة، وشعار "أقدم الحرية على تطبيق الشريعة" الذي يتبناه إسلاميون، مؤمنون بالحرية، يعتبره كفراً.
 مع كل سقطاته الإعلامية التي تقترب من الكوميديا، نجح خلفان في التحول إلى ظاهرة إعلامية، ليس هذا فقط، بل نجح، أيضاً، في الإسهام في تحويل الإعلام الخليجي إلى إعلام أمني. قائمة الخطوط الحمراء تزداد، ومساحات المسموح تضيق، واللعب على الغرائزية يشتد، والعقل الجمعي المبني على الإجماع يكاد يلتهم العقل الفردي الذي يتيح الاختلاف، ويكاد الإعلام الخليجي يجد في التعصب الطائفي مادته الأثيرة، حتى تحول "تويتر" ضاحي خلفان منبراً لإطلاق الشتائم الطائفية.
وفي جوابه عن سؤال الإعلامي، حسن معوض، بشأن ميزانية الحاكم والدولة في الخليج، يقول "ما عند الحاكم عندنا، وما عندنا عند الحاكم، المال مالنا وماله. كلنا للحاكم، والحاكم كله لنا. الحاكم هو الدولة، والدولة هي الحاكم. ما يخصص للدولة للدولة، وما يخصص للحاكم يعمم على الشعب. صدّق أو لا تصدق. هذه فلسفة، لا أحد يعلمها غيرنا، نحن أبناء الخليج".
صار هذا الجواب مادةً ساخرةً للتداول في شبكات التواصل الاجتماعي، وما زال خلفان يقدم مادة غزيرة، تصلح للسخرية أكثر منها مادة للجدية. وعلى سبيل المثال، في لقائه مع قناة تلفزيون البحرين الرسمية، تسأله المذيعة: كيف عرفت في الدقائق الأولى من انفجار قرية الديه بالبحرين، والذي راح ضحيته الضابط الإماراتي، طارق الشحي، أن من زرع القنبلة عمره 40 عاماً، غير متزوج. قال لها بابتسامة الواثق: من خبرتي في العمل في الشرطة عرفت ذلك.
خلفان يعرف كل شيء، ويتنبأ بكل شيء، ويتحدث عن كل شيء، لكنه لا يحكم صناعة شيء.

327E8F64-9D86-43CE-8CA9-17F7BC8534A6
علي الديري

ناقد وباحث من البحرين، متخصص في تحليل الخطاب، مواليد 1971. أنهى رسالة الماجستير "قوانين تفسير الخطاب عند ابن حزم الأندلسي" في2007. وناقش أطروحة الدكتوراة "مجازات الجسد عند إخوان الصفاء وابن عربي" في 2010. صدرت له عدة كتب.