"ووتش مِن" و"الفتيان": هل يستحق هذا العالم الإنقاذ؟

"ووتش مِن" و"الفتيان": هل يستحق هذا العالم الإنقاذ؟

14 فبراير 2020
يخضع الأبطال الخارقون للسلطة ولا يناقشونها (HBO)
+ الخط -
المتوقع من أي حبكة تقليديّة في عوالم الأبطال الخارقين ظهور مشكلة في المجتمع أو شخص شرير. هذان المحركان يُهددان النظام العام، ليأتي البطل من بعدها، سواء كان لا ينتمي للبشر كـ "سوبر مان"، أو بشريّ مضطرب كـ "باتمان"، فينقذ الموقف، ويطرد "العدو" ويعيد النظام العام إلى حاله السابق.

المقاربة التقليديّة السابقة، بدأت تتلاشى في السينما مع "باتمان دارك نايت" حيث لا ينتصر أحد، ونشكك حينها في البطل ونقيضه. لكن هذا النموذج بدأ يتهدد مع كتابي "ووتش مِن" (1986)، و"الفتيان" (2006)، وأصبح خراب المجتمع وأبطاله أكثر رواجاً مع تحول كلا الكتابين المصورين إلى مسلسلات تحمل ذات الاسم، فـ "واتش مِن" Watchmen (بثته HBO)، تدور أحداثه بعد نهاية الحكاية في الكتاب المصور. بينما الثاني، "الفتيان" The Boys (بثته Amazon Prime)، يتحرك فيه الأبطال في عالم يشبه عالمنا، لكنه ضمن أشبه علامة تجارية، هم يحيون "بيننا" وخاضعون لشركة كبرى تضبط عملهم وصورتهم، بعكس "ووتش مِن" المسلسل، إذ منعت الدولة الأبطال المقنّعين، وأصبح القناع حكراً على الشرطة.
يقدم لنا المسلسلان صورة ديستوبيّة معاصرة ترصد الهزيمة التي واجهها نموذج الأبطال الخارقون. بمعنى آخر، لم يعد خلاص العالم ممكناً حتى لو جاء أبطال يمتلكون قوى تتفوق على مقدراتنا كبشر؛ فدكتور مانهاتهن هجر الأرض ثم قرر أن يصبح بشرياً، والأبطال الخارقون في "الفتيان" ليسوا إلا منتجاً سياسياً وطبيّاً في سبيل الهيمنة والربح، يمكن التلاعب بهم بسهولة.
هذه الهزيمة نتيجة المتغيرات التي نشهدها الآن، الهيمنة السياسية-الإعلامية، جعلت الخراب عميقاً و"طبيعياً"، وتحولت المآسي إلى مواد للتسليّة، والأبطال الخارقون، أو بصورة أخرى: البشر الخارقون، مجرد تجارب طبيّة، يخضعون لتأثير المخدرات، كحالة مدمني الأدوية المخففة للألم، ساعات طويلة من العمل والإنتاج تنتهي بالموت والأمراض المزمنة. ذات الشيء في "ووتش مِن"؛ إذ يغدو "المقنّعون" أداة بيد السلطة التي تركت بداية أزمانديس يرتكب مجزرة لأجل "خلاص البشريّة". لكن هذه السيطرة التي تمارسها الأنظمة المعاصرة مرتبطة بالاستعراض، سواء كنا بقناع أو من دونه، أبطالاً أو عاديين. الرغبة بالظهور للعلن والحضور على الشاشات تملأ الأفراد بإحساس وهميّ بأنهم "مختلفون" و"أبطال". هذا الظهور يميع الحدود بين ما هو أخلاقي وغير أخلاقي. بصورة أبسط، تهدد الكرامة الإنسانيّة، التي نعم، يمكن هدرها لأجل تقرير تلفزيوني أو سلام سياسيّ من نوع ما.
يمكن النظر إلى الاستعراض كمخدّر ضد التغيير الحقيقيّ. في كلا المسلسلين، يخضع الأبطال الخارقون للسلطة، لا يناقشونها بعمق أو يحاولون رفضها ومساءلة شرعيتها. ومن يحاول، يتم نفيه أو تهديد حياته، لا بد من الطاعة في لحظة ما كون السلطة تدّعي أنها الضامن الوحيد للاستمرار البشري، وتراهن على وهم عجز البشر والخارقين على الاستمرار من دون سلطة، عبر الحكايات التي تبثها وعبر التأكيد على ضرورة الأبطال الخارقين.

هذه السلطة في كلا المسلسلين يتحكم فيها "البيض"، ونقصد هنا النموذج الأبيض للأخلاق والسياسة والحكم، إذ يخفون تأثير "الآخرين" في التاريخ عبر خلق أسطورة "الأبيض" المتفوق وانتصاراته، وهذا ما نراه في "ووتش مين"؛ فـ"العدالة المقنعة"؛ أول بطل خارق مقنع، كان أسود كاد يشنق، وهذا ما تم إخفاؤه عن "الناس" لأنهم "ليسوا مستعدين"، أما د. مانهاتن فقد اختار أن يكون أسود، في حين أن "البيض" تعميهم السلطة وأوهام التفوق العرقيّ، لدرجة أسر مانهاتن ومحاولة حصد قوته.
الأهم أن الأبطال قابلون للإفساد، ليسوا مثاليين، قد يتركون عالمنا هذا، لا ترفعاً عن مآسيه فقط، بل أحياناً إيماناً باللاجدوى من إنقاذ البشر، كحالة دكتور مانهاتهن. السؤال ببساطة: هل يستحق العالم الإنقاذ فعلاً؟ أم أنه مُخرّب من دون عودة؟

ما يشترك به "ووتش مِن" و"الفتيان"، ويختلف عن "باتمان" مثلاً، هو الخراب. في الاثنين الأولين العالم غير قابل للإصلاح، والأبطال مؤمنون بذلك، في "باتمان"، ما زال هناك أمل لغوثام. هناك طبيعة بشريّة خيّرة خفية في مكان ما. لكن السؤال: من يراقب ويحاكم المدافعين عنا؟ ماذا لو قرروا أن يضحوا بنا، أو بمعظمنا؟ لأمننا طبعاً أو للتسليّة، أو فقط توقفوا عما سيفعلونه، هل من سلطة أعلى؟ الحلول البشريّة تنجح في "الفتيان"، إذ يتم ابتزاز الأبطال واستخدام العنف ضدهم أحياناً، لكن في "ووتش مِن"، لا حلّ، د. مانهاتن حرفياً لا شيء. ماذا لو قرر إفناءنا جميعاً كقنبلة نووية إطلاقها بيد رئيس أحمق؟
لا يمكن القول إن مفهوم البطل الخارق قد يتلاشى من الثقافة الشعبيّة، لكن صورته كمخلص مثاليّ متعالٍ ذي أخلاق مفرطة لم تعد جذّابة، بل ولم تعد مقنعة. هناك أوبئة تنتشر بين الناس، إشعاعات متسربة، مسرعات نوويّة قد تنفي حياتنا بطرق لا يستطيع حتى بطل خارق إنقاذنا منها.

المساهمون