"صفقة القرن" ولبنان

"صفقة القرن" ولبنان

01 فبراير 2020
+ الخط -
قد تكون "صفقة القرن" (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية) محطةً فاصلةً في لبنان لاعتبارات عدة، انطلاقاً من أنها عنصرٌ خلافيٌّ بين يمينين، أحدهما موالٍ للسعودية وآخر موالٍ لإيران، فيما يركن يمينٌ ثالثٌ في الزاوية بانتظار "حصول أمرٍ ما". اليمين الذي يمثله تيار المستقبل، بقيادة رئيس الحكومة السابق، سعد الحريري، لن يخرج، بطبيعة الحال، عن الموقف السعودي، المؤيد للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ضمن خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في مقابل يمينٍ آخر يقوده حزب الله، وخلفه إيران، يضع تداعيات الصفقة في خانة العقوبات الأميركية على طهران. وسط هذين اليمينين، يبقى اليمين التقليدي الذي يمثله رئيس الجمهورية، ميشال عون، خارج السياقات، بدءاً من ضعف الحضور الدستوري لرئاسة الجمهورية، مروراً بضعف القدرات الديمغرافية والسياسية والاقتصادية لهذا اليمين، وانتهاءً بغياب الدعم الخارجي ـ الغربي له. 
من المفترض أن يؤدي ذلك، مع تتالي الأيام والمواقف، إلى تعزيز الانقساميْن، العمودي والأفقي، حول "صفقة القرن" في لبنان، من دون وجود ضابط إيقاع فعليٍّ يمنع تفاقم الأمور وكبح جماح حملات التخوين. سيتحدّث بعضهم عنها بدافع اقتصادي، قياساً على المرحلة الاقتصادية الأسوأ في تاريخ لبنان، وأن البلد "سيستفيد" مادياً من الصفقة. وسيعتبر آخرون أن "المعركة الحالية هي معركة حياة أو موت". في الحالتين، سيزداد الضغط على لبنان الذي يعاني أصلاً من سوء إدارة مالية، وغياب منطق المحاسبة، والميل الدائم إلى فرض الضرائب على الطبقات الفقيرة دون غيرها، بحجّة "الإجراءات الموجعة" التي تحدّث عنها عون.
سيولّد هذا الضغط انفجاراً ما في مكانٍ ما، خصوصاً أنه يترافق مع استمرار أفعال السلطة القمعية ضد الناشطين والمعارضين في البلاد، تحديداً قواعد انتفاضة 17 أكتوبر. في الحقيقة إن النظام اللبناني "يُبدع" في اعتقال المعارضين، في مقابل تركه آلاف المسلّحين المتجوّلين في الشوارع، والذين يطلقون النار في كل مناسبةٍ مستخدمين مختلف أنواع الأسلحة، من دون توقيفهم، كونهم محسوبين على أحزاب ـ مليشيات مُمسكة بتلابيب السلطة. كما أن هذا النظام لم يعتقل كل من اعتدى على المتظاهرين طوال الأشهر الثلاثة الماضية، ما يعزّز فرضية عدم قدرته على السيطرة على أي وضع ميداني قد ينشأ نتيجة للخلاف على "صفقة القرن". في الواقع هناك مجرى للصرف الصحي، قد انفجر في بيروت، في شتاء 2018 ـ 2019، ناجم عن منشآت منتجع مخالف للقانون. عرقل هذا الأمر حركة السير في العاصمة، ناهيك عن انتشار الرائحة الكريهة في الهواء. هل تمّت محاسبة أحد؟ طبعاً لا، فنحن لسنا في دولةٍ حقيقيةٍ، بل شبيهة لها. بالتالي، إن سلطةً لم تتمكّن من معالجة مشكلة مجرى للصرف الصحي، ولا أزمة مالية، ولا تحاسب أحداً، ولا تكافح الفساد، وتعتقل المعارضين، وتخوّن انتفاضة شعبية، وأنصار الأحزاب ـ المليشيات يتحوّلون إلى "آلات" تنفّذ وتكرّر ما يقوله الزعيم، هل تعتقدون أن سلطةً كهذه ستكون على قدر التحدّيات لمواجهة "صفقة القرن"؟
صحيحٌ أن لبنان أمام تحدٍ جديد، وهو القدرة على تمرير هذه المرحلة بأقلّ قدرٍ ممكن من الخسائر، من دون التراجع عن تأييده الحقوق الفلسطينية، غير أن الأمر سيكون صعباً عليه، لأن "صفقة القرن"، التي خصصت 6.35 مليارات دولار للبنان، لم تتعامل معه أساساً باعتباره دولة فعلية، بل فريقا عليه مواكبة المتغيرات. في الواقع، وضعتنا "صفقة القرن" مجدّداً أمام حقيقة ساطعة: لا دولة في لبنان، بل نظام وُلد على عجل بعد الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918)، وأُدخلت عليه تعديلات في خضمّ الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، واستأنست به الإقطاعية الثلاثية: رجال الأعمال ورجال الدين ورجال السياسة، قبل انضمام أمراء الحرب إليهم. وهذا النظام غير قادرٍ على فعل شيء، بل فقط على استعباد الناس وسرقة حقوقهم بـ"صفقة قرن" ومن دونها.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".