"ثورة يناير" ومحاولات تأميم الأجساد

"ثورة يناير" ومحاولات تأميم الأجساد

27 يناير 2017
+ الخط -
ستة أعوام مضت على الثورة المصرية 25 يناير 2011. ستة أعوام من الكر والفر في المجال العام قبل غلقه بشكل نهائي من الدولة، ستة أعوام من المواقف غير المتوقعة، ومن الخطابات المطروحة لدعم أو دحض الثورة، وستة أعوام من الدروس المُستفادة. 

ما زالت الخطابات المتعلقة بأجسام النساء ووجودها في المساحات العامة تلعب دورًا محوريًا في سياق مراجعات مواقفنا من الثورة المصرية، والتي كان من أبرزها "الخطاب القومي".

ترجع أهمية التركيز على هذا الخطاب ومناقشته هو اعتباره اجتماعيًا في المقام الأول، تم اقتباسه في سياق سياسي في فترة مقاومة الاستعمار وما تلاها من محاولات تعبئة الرأي العام لقضايا سياسية، اعتمدت في الأساس على مفاهيم اجتماعية كمفهوم "شرف العائلة".


"شرف العائلة" والسياق السياسي

في كتابها مصر كامرأة، تقول بارون، إن شرف العائلة يُعرّف ليس فقط بالحفاظ على بكارة نساء العائلة وهو مسؤولية الرجال، ولكن أيضًا بنشاطهن الجنسي وسلوكياتهن في الأماكن العامة. ووفقًا لبارون، في حال اكتشف رجال العائلة فض بكارة الفتاة لأي سبب غير الزواج، قد يصل الأمر إلى القتل لتطهير "شرف العائلة". لذلك؛ يُستدل على الشرف من أجسام النساء، ويعتبر من أهم أسباب التجمع الرجولي على قضية ما.


كان أول استخدام سياسي لمفهوم شرف العائلة قبيل فترة الاستعمار البريطاني على مصر في مطلع القرن الماضي لإقناع العامة بضرورة مقاومة الاستعمار الذي يستبيح الأرض المصرية كما تُستباح النساء في الاغتصاب، والذي كان محوره فض غشاء البكارة كعلامة للهزيمة الرجولية. فأصبح وجود أجسام النساء في الفضاء العام يستدعي بالتبعية مفهوم "شرف العائلة" كأول بادرة في ذهن المصريين.

ما قبل ثورة يناير 2011

أما في الألفية الثالثة فلم يتغير الخطاب كثيرًا؛ حيث استخدمته الدولة مرارًا كأداة مقاومة شرسة ضد النشطاء ومقاومي نظام مبارك وخصوصًا النساء.


في تظاهرات نقابة الصحفيين عام 2005 ضد تعديلات مبارك الدستورية، استهدف الأمن المصري المتظاهرات بالتعاون مع مأجورين بالضرب والتعدي الجنسي، والذي عُرف إعلاميًا بـ"الأربعاء الأسود" وأدانتها جنائيًا اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.


كان الهدف هو وصم المتظاهرات وبث الرعب في نفس كل مُعارضي النظام المصري آنذاك بإيصال رسالة، أن النظام لن يتهاون مع أيًا كان، حتى النساء، والذي هو أسوأ من الاعتداء على المُعارضين الرجال اجتماعيًا. 

يوتوبيا الـ18 يوماً وما تلاها

واستمرت سياسة الوصم الاجتماعي مع نظام مبارك حتى أثناء اندلاع التظاهرات.


في الفترة ما بين 25 يناير إلى 11 فبراير 2011، تشارك الجميع أرضية ميدان التحرير دون النظر إلى النوع الاجتماعي واللون والعقيدة، وعلى ذلك فقد وردت شهادات لمتظاهرات تلقين تعليمات زملائهن من المعتصمين الرجال تشبه اللائحة السلوكية، بعد انتشار شائعات في التلفزيون الرسمي للدولة تُفيد أن المعتصمات والمعتصمين يُمارسون علاقات جنسية علنية في الخيام.


هذه الشائعات كانت تعتمد بشكل رئيسي على مفهوم "شرف العائلة"، فإما أن كانت العائلات تستدعي النساء بالرجوع إلى المنزل وبذلك يتضاءل عدد المعتصمين، أو تضمن الدولة ألا يتزايد العدد على أقل تقدير.



فما كان من المعتصمين إلا أن حاولوا نفي هذه التهم بالمرور والعَس ليلًا بين الخيام للتأكد من أن المعتصمين لا يمارسون الجنس، أو نهارًا للتنبيه على المتظاهرات بعدم التدخين علنًا وتجنب الملابس الضيقة حفاظًا على "سُمعة الثورة".


لم تكُن هذه المرة الأولى التي أعتبرت فيها أجسام النساء مترادفًا لسُمعة الثورة من جانبي النظام والثوار.


في مارس 2011 ألقت قوات من الجيش المصري القبض على مجموعة من المتظاهرات في محيط ميدان التحرير، ثم عرضوهن لكشف عذرية قسري وعلني. كانت هذه الكشوف بغرض إذلال والتحقير من المقبوضات عليهن عن طريق أحد وسائل العنف الجنسي المُتعارف عليها لدى الأجهزة الأمنية. وقد برز حينها خطاب دعم لسميرة إبراهيم، إحدى المتعرضات للكشف، والتي رفعت قضية إدانة ضد الجيش في مجلس الدولة، يُفيد في مضمونه أن عذرية سميرة ترادف شرف الثورة، والذي انتهكه النظام بالاعتداء عليه وإهانته.


ولكنها أيضًا ليست سميرة إبراهيم وحدها، فقد تلتها علياء المهدي. المهدي هي شابة مصرية نشرت صورة عارية لنفسها على الإنترنت في أكتوبر/ تشرين الأوّل 2011، ليتبعها رد فعل قوي من داعمي الدولة وداعمي الثورة. فالفريق الأول استخدم المهدي للتدليل على سوء أخلاق داعمي الثورة، بينما لفظها الفريق الآخر لأنها تلوث شرف الثورة، كما صرّح وقتها محمود عفيفي المتحدث الرسمي لحركة شباب 6 أبريل.


في نوفمبر 2012 وبعد عام من واقعة المهدي، تم الاعتداء جنسيًا بشكل وحشي على متظاهرات ميدان التحرير، وتم تداول شهادات الناجيات التي استخدمها نظام الإخوان المسلمين للتدليل على أن المتظاهرين يعتدون جنسيًا على المتظاهرات، بينما ردت بعض القوى السياسية إما بالنفي أو الاستنكار لئلا يتم المساس بـ"شرف الثورة".

في ديسمبر 2011، وأثناء اشتباكات "مجلس الوزراء"، بين عساكر من الجيش المصري ومتظاهرين، تم سحل فتاة عارية، إلا من حمّالة صدر زرقاء في شارع قصر العيني.


انتشرت صورة الفتاة وعُرفت إعلاميًا بـ"ست البنات"، ليتم إعادة استخدامها مرة أخرى في يونيو (2013) للرد على الاحتفاء بصعود الحكم العسكري مرة أخرى للسلطة في أغنية "تسلم الأيادي"، والتي استخدمها مؤيدو الجيش بعد فض اعتصامي النهضة ورابعة العدوية. تداول نشطاء صورة "ست البنات" مرة أخرى مع كتابة مطلع الأغنية عليها "اللي صان العرض يسلم". هذا الاستخدام كان بغرض الاستهزاء من مؤيدي الجيش والمتوقع منهم رفض كل ما يمس "الشرف" وليس الاحتفال به، هذا الشرف بالطبع متمثل في جسم الفتاة.



وفي إبريل 2016، أصدرت الحكومة المصرية قرارًا تحت إشراف رئيس الجمهورية بالتنازل الكلي للمملكة العربية السعودية عن جزيرتي "تيران وصنافير" الواقعتين في المياه الإقليمية بين الحدود المصرية والسعودية. أثار قرار التنازل غضباً بين التيارات الثورية، فدعا بعضهم إلى التظاهر ضد التنازل تحت شعار: "الأرض هي العرض".


هذا الخطاب يعود بنا إلى الحشد باستخدام خطاب أبوي يُجسد الأرض في أجسام النساء ويؤممها باعتبارها كرامة رجولية وجب الحفاظ عليها ووصم كل من تخاذل في حمايتها.

هذه اللفتات السريعة في ذكرى الثورة المصرية مكتوبة بدافع التذكِرة والدعوة لمراجعة مواقف الثورة من قضايا النساء ووجودهن في المجال السياسي العام، وكيف أثار هذا الوجود عدة خطابات وتوجهات بعضها متفق مع مبادئ الثورة، وبعضها مناقض لها.



B831FE42-EA06-442C-B1AC-D58CDE96BA74
غدير أحمد

ناشطة نسوية مصرية، وباحثة متخصصة في دراسات المرأة النوع والاجتماعي