"بلاستيك": مصالحة مع الفكر الإيكولوجي

"بلاستيك": مصالحة مع الفكر الإيكولوجي

26 يوليو 2020
ملصق يحاكي عمل للفنان الياباني هوكوساي
+ الخط -

تحمل مادة البلاستيك منذ عقود صورة سلبية للغاية، فقد باتت رمز التلوّث البيئي ضمن الخطاب الإيكولوجي، وعلى المستوى الفكري تبرز نزعة لشيطنتها باعتبارها تجسّداً لما هو غير إنساني أو مفبرك في أغراض الحياة اليومية من ألعاب وأدوات مطبخ وحتى في عمليات تجميل أعضاء الجسد.

تقف الباحثة الفرنسية ناتالي غونتار ضدّ هذه النظرة منذ سنوات، لكن كيف ذلك وهي ناشطة إيكولوجية؟ سؤال يجيب عنه كتابها الصادر مؤخراً عن منشورات "ستوك" بعنوان "بلاستيك: الاحتدام الكبير" بالاشتراك مع الكتابة الصحافية هيلين سانجييه. يقدّم العنوان بعض التلاعب بالقارئ، فكلمة احتدام تقابلها بالفرنسية مفردة Emballement وهي تشترك في الجذر مع كلمة Emballage والتي تعني التغليف، وهو أحد الاستعمالات الكبرى لمادة البلاستيك، وأكثر من ذلك فإن التغليف هو المجال المهني الذي تشتغل ضمنه غونتار.

تعترف الناشطة الفرنسية بما جنته مادة البلاستيك على كوكب الأرض، لكنها في نفس الوقت تؤكّد على أن هذا الوضع الكارثي ليس بسبب خصوصيات في مادة البلاستيك بل بسبب الاستعمال غير السويّ لها، فالبلاستيك في النهاية مجرّد مادة غير حيّة ولا يمكن تحويلها إلى "شيطان بيئي"،كما يفعل بعض الإيكولوجيين.

الفكرة الرئيسية لـ غونتار هو أنه من الضروري أن نرى البلاستيك كعنصر مكوّن من العالم. صحيح أنه عنصر طارئ ومصنّع إلا أنه انتزع مكاناً – منذ قرن على الأقل - ليس فقط بين عناصر العالم بل في تاريخه أيضاً، وبالتالي ينبغي أن ننظر إليه نظرة غير بعيدة عن المكوّنات الأصلية للعالم؛ الماء والهواء والنار والتربة.

كتاب بلاستيك
كتاب بلاستيك

تقدّم غونتار وشريكتها في العمل خارطة للتلوّث العالمي بسبب البلاستيك؛ مقدّمة توثيقاً إحصائياً لإرباكات النظام البيئي بسبب اقتحام البلاستيك لفضاءات طبيعية مثل الشطآن والغابات وحتى في طبقات عميقة من الأرض. لكن الإشكال ليس في البلاستيك في حدّ ذاته، وإنما في حضوره العشوائي، وبالتالي يؤكّد الكتاب على الإشكالية الأساسية هي في عدم إدماج البلاستيك ضمن الرؤية الإيكولوجية العامة، وأن الشيطنة التي تعرّض لها زادت في إقصائه من البحث مقابل الاستثمار في ما يعرف بالمواد المتلائمة مع البيئة.

تؤكّد غونتار أن البلاستيك مادة متلائمة مع البيئة أيضاً في حال جرى ترشيد استعمالها صناعياً، وخصوصاً السيطرة على تداولها وقبل كل شيء الانضباط المعمّم في ثقافة الاستهلاك، وهذه الأهداف تحتاج إلى جهود بحثية هي غائبة اليوم، ليس فقط على الصعيد الكيميائي بتعديل تركيبات البلاستيك إلى مواد قابلة للاندماج في نظام الطبيعة، بل من الضروري إدماج معارف أخرى مثل علوم التصرّف والاجتماع والنفس والأنثروبولوجيا، فهي الحقول المعرفية التي تستطيع ترويض وحش يقال إنه يبتلع الكوكب.

المساهمون