"العيون الخمس": الشبكة المخابراتية الأقوى عاجزة أمام الصين؟

"العيون الخمس": الشبكة المخابراتية الأقوى عاجزة أمام الصين؟

22 يونيو 2020
سنودن كان أول من تطرّق إلى الشبكة(Getty)
+ الخط -
يعيد الهجوم الإلكتروني الذي طاول أخيراً قطاعات رسمية وخاصة في أستراليا من "جهة مجهولة"، بحسب الموقف الرسمي الأسترالي، توجيه الأنظار إلى شبكة "العيون الخمس" المخابراتية (تضمّ أستراليا، ونيوزيلندا، وبريطانيا، وكندا، والولايات المتحدة) ومدى فاعليتها في مجابهة الهجمات السيبرانية وتوقعها قبل حدوثها في ظل المليارات التي تنفق عليها سنوياً، خصوصاً أنها لم تتمكن من رصد الهجوم  على أستراليا.
وعلى الرغم من أن أستراليا تجنبت توجيه اتهام إلى دولة يعينها، فإن أصابع الاتهام غير الرسمية ركزت على الصين أخذاً بعين الاعتبار الصدام الأسترالي ـ الصيني الذي يتخذ أشكالاً عدة في الآونة الأخيرة من الحرب التجارية إلى اتهامات كانبيرا لبكين بالتستّر على تفشي فيروس كورونا. وسبق لأستراليا أن أولت اهتماماً خاصاً بعلاقتها مع الصين، رغم وجودها ضمن "العيون الخمس"، إلا أن الازدهار الاقتصادي بين البلدين تراجع بشدّة في الآونة الأخيرة، علماً أن قيمة التجارة بين البلدين بلغت العام الماضي نحو 235 مليار دولار أسترالي (162 مليار دولار). غير أن الصين فرضت أخيراً رسوم إغراق على الشعير الأسترالي، وأوقفت بعض واردات لحوم البقر وحذّرت الطلاب والسياح الصينيين من أن السفر إلى أستراليا ليس آمناً، بسبب ادّعاءات بالعنصرية، ناجمة عن الاتهامات بشأن تفشي كورونا، ثم تطوّر إلى إصدار المحاكم الصينية حكماً بإعدام مواطن أسترالي، أدخل 7.5 كيلوغرامات من المخدرات إليها عام 2013. وكان وزير التجارة الأسترالي سايمون برمنغهام، واضحاً بقوله "إن الشراكة التجارية مع الصين بنيت على مدى سنوات عديدة على أساس البراغماتية، لكن أستراليا لن تبيع مصالحها الوطنية".

ومن شأن هذه الأوضاع أن تؤدي إلى مزيد من التوترات، مع غياب أي بوادر للتهدئة بين الجانبين الأسترالي والصيني، وهو ما يشكل عادة فرصة لانتعاش عمليات الرصد والتجسس الاستخباري، ما يفترض أن شبكة "العيون الخمس" في حالة تأهب.
مع العلم أن النزاع الصيني ـ الأسترالي المستجد مرتبط ببعض جوانبه بتعامل الشبكة مع مخاطر تفشي فيروس كورونا. ففي شهر مايو/أيار الماضي، بحث وزراء الداخلية والأمن في دول الشبكة الخمس، خططاً للتخفيف من التهديدات الإلكترونية المتزايدة، خصوصاً استهداف مراكز الأبحاث والباحثين العاملين على لقاح للفيروس، في بريطانيا والولايات المتحدة. وعدا ذلك، فإن الشبكة أعادت التذكير بدورها في "حماية الأطفال من أي إساءة إلكترونية". وعُدّ الاجتماع في حينه، مناسبة لكسر الجليد بين البريطانيين والأميركيين، بعد تحذير واشنطن للندن، من احتمال اضطرارها لتخفيض التعاون المخابراتي، إذا لم تزل الأخيرة كل ارتباطاتها مع شبكة "هواوي" الصينية.

وكانت صحيفة "غارديان" البريطانية قد نشرت تقريراً بعنوان "شبكة العيون الخمس تناقض نظرية تسرب كورونا من المعمل"، نقلت فيه عن أجهزة مخابرات الدول الخمس، قولها إن الأدلة لا تشير إلى أن الفيروس القاتل تم تصنيعه داخل مصنع في ووهان، وأنهم يشعرون بالتوتر بسبب التصعيد بين بكين وواشنطن. النتائج التي توصلت إليها أجهزة المخابرات لا تنفي أن الصين ربما تكون تسترت بالفعل على الفيروس وأخفت حقيقته في بداية ظهوره. أما صحيفة "ديلي تلغراف" الأسترالية، فذكرت أن التقرير المكوّن من 15 صفحة أظهر أن الصين أخفت أو دمرت عمدا أدلة حول تفشي فيروس كورونا، ورفضت تقديم المواد الحيوية للعلماء الذين يطورون اللقاحات والأدوية ضد المرض.

في السياق، أكد مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات، في روسيا، الخبير روسلان بوخوف، أن تقرير اتحاد "العيون الخمس"، عن إخفاء الصين للمعطيات الخاصة بكورونا، هو محاولة من قبل الغرب، خصوصاً واشنطن، للتغطية على فشلها في الحصول على المعلومات. وأضاف أن هذا التقرير يعتبر مثالاً كلاسيكياً للاستخبارات التي تعتمد في عملها على الإيمان، وليس على الحقائق والوقائع. ووفقاً له، فإن هذا النظام في الوقت الراهن، يعني أن واشنطن توزع بعض الفتات من طاولتها على الباقين، وأن العيون الأربع الباقية، عمياء لا ترى شيئاً. وتوقع المحلل أنه "لم يعد بعيداً اليوم عندما سيتخلى الأميركيون عن هذا الشكل من التعاون، ويتحولون إلى الاتفاقيات الظرفية. على أساس ثنائي".

وكانت شبكة "العيون الخمس"، التي تأسست عملياً مع توقيع "ميثاق الأطلسي" في 14 أغسطس/آب 1941، بين الولايات المتحدة وبريطانيا، للعمل معاً في الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، ثمّ تطور الميثاق إلى حدّ توقيع البلدين اتفاقاً للتعاون المخابراتي في 17 مايو/أيار 1943 بعنوان "الاتفاق الأميركي ـ البريطاني". وفي 5 مارس/آذار 1946، وقّع البلدان اتفاقاً استخبارياً أعمق هذه المرة، غير أنه سري. وانضمت إلى هذا الاتفاق كندا (1948)، النرويج (1952)، الدنمارك (1954)، ألمانيا الغربية (1955)، أستراليا ونيوزيلندا (1956). ثم تمّ الاستقرار على اعتماد الخماسي: الأميركي والبريطاني والكندي والأسترالي والنيوزيلندي أطرافاً أساسية في المعاهدة باسم "شبكة العيون الخمس"، فيما تمّ تصنيف باقي الدول تحت مسمى "الطرف الثالث". وكان واضحاً أن تلك البلدان أنكلوساكسونية، ولا تشارك المعلومات مع أي مؤسسة أو دولة خارجها، على الرغم من وجود اتفاقيات بينها وبين عشرات البلدان لتبادل المعلومات، بما فيها حلف شمال الأطلسي. وتشرك الشبكة المعلومات انتقائياً من هم خارجها من حلفاء، مثل المعلومات عن تنظيم "داعش". ففي عام 2015 وافقت الشبكة على مشاركة بعض المعلومات الحساسة عن "داعش" في سورية مع الفرنسيين، وذلك بعد حصول اعتداءات طاولت العاصمة الفرنسية باريس. فيما تتبادل المنظمة في أحيان أخرى المعلومات مقابل معلومات مع بلدان صديقة من خارج المنظمة.



يضم تحالف منظمة "العيون الخمس" المؤسسات الاستخبارية الآتية: وكالة الأمن القومي الأميركية، القيادة العامة لاتصالات حكومة بريطانيا، مؤسسة أمن الاتصالات الكندية، المديرية الأسترالية للإشارات، مكتب أمن اتصالات الحكومة النيوزيلندية. وينصبّ جهد المنظمة في جمع المعلومات في منظومات الاتصال المختلفة، والاستحواذ على الاتصالات، والوثائق والمعدات، وتحليل حركة الاتصالات، وتحليل الشفرات والرموز، وفك الشفرات والترجمة، والحصول على المعلومات الخاصة بالمؤسسات العاملة في مجالات الاتصالات، والأساليب والتطبيقات والمعدات. وكان الهدف الأساسي للشبكة "مواجهة الجواسيس السوفييت" طيلة الحرب الباردة (1947 ـ 1991).

وقد تم تصميم نظام مراقبة أطلق عليه الاسم الرمزي "إيكيلون" لمراقبة أنظمة اتصالات الاتحاد السوفييتي والبلدان المتحالفة معه، ولكنه يستخدم حالياً لمراقبة الاتصالات في العالم. وبقيت الشبكة سرية لفترة طويلة، قبل أن يفضحها الجاسوس الأميركي المنشق إدوارد سنودن الذي فرّ ومعه ما يزيد على 200 ألف وثيقة بالغة السرية من وثائق أجهزة الاستخبارات والأمن الأميركي في عام 2013، إلى روسيا. ومن تلك التفاصيل أن المنظمة تدير خمسة برامج مراقبة اتصالات واعتراضها على الأقل، وتدار بنحو مشترك من قبل دول المنظمة، منها برنامج "بريسم" الذي يجمع معلومات من مختلف قنوات الإنترنت الأميركية، وبرنامج "أكس كي سكور" الذي يعنى بجمع المعلومات من شبكة الإنترنت العالمية وتحليلها، وبرنامج "تيمبورا" الذي تديره القيادة العامة لاتصالات حكومة بريطانيا، ويجمع المعلومات من الكابلات البصرية التي تستخدم لنقل إشارات الإنترنت، فضلاً عن برنامجي "ماسكلار" و"ستيتروم". وعلى الرغم من أن أعضاء المنظمة شركاء متساوون في المبدأ، إلا أن الولايات المتحدة تعدّ الجهة التي تقودها، سواء عبر انخراط كل أقسامها المخابراتية (خصوصاً مكتب التحقيقات الفدرالي ومجلس الأمن القومي) ضمن كل قطاعات الشبكة، أو لجهة التمويل الذي وصل إلى 60 مليار دولار لعام 2018 وحده.

ومن أجل كسب المزيد من الحلفاء، من دون إشراكهم مباشرة في "العيون الخمس"، عمدت الشبكة إلى التعامل مع كل ملف على حدة، مع إضافة المزيد من البلدان كـ"طرف ثالث" في التعاون. وهو ما برز في تعاون "العيون الخمس" مع فرنسا وألمانيا واليابان لـ"مواجهة روسيا والصين"، أو في تعاون الشبكة مع فرنسا واليابان وكوريا الجنوبية لـ"مواجهة كوريا الشمالية". وكان لافتاً مراقبة الشبكة لشخصيات عدة طيلة تاريخها، مثل الممثل البريطاني الراحل تشارلي تشابلن، والرئيس الجنوب أفريقي الراحل نيلسون مانديلا، والمغني الرئيسي في فرقة "بيتلز" البريطاني الراحل جون لينون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، والأميرة البريطانية الراحلة، ديانا. أما في الوقت الحالي فقد وُجّهت الاتهامات للشبكة بالتجسس على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والمرشد الإيراني علي خامنئي.
(العربي الجديد)