"الرقود السبعة".. كهف يظنّ التونسيون أنّه ذُكِرَ في القرآن

"الرقود السبعة".. كهف يظنّ التونسيون أنّه ذُكِرَ في القرآن

تونس

الأناضول

avata
الأناضول
09 مايو 2014
+ الخط -
يعتقد سكّان مدينة "شنيني" الجبلية المتأصّلة في عمق التاريخ التونسي أنّ قصّة أصحاب الكهف التي ورد ذكرها في القرآن الكريم قد جرت أحداثها في منطقتهم، وأنّ "الرقود السبعة" (أهل الكهف) مدفونون في "الغار" (الكهف) الكائن في قمة أحد الجبال الذي أسسّ فيه أجدادهم مدينة "شنيني" منذ قرون عدّة.

"شنيني" مدينة تتبع محافظة تطاوين (جنوب) وتقع محاذية لمقام "الرقود السبعة"، حيث اختار أن يؤسّسها عدد من السكان الأمازيغ منذ القرن 12 ميلادي، وهي القرية الجبلية الوحيدة التي ما زالت تنبض بالحياة في المنطقة، بعدما "انهزم" الكثير من سكّان القرى الجبلية المجاورة ونزحوا أمام إغراءات التمدّن.

يعدّ مقام "الرقود السبعة" الركن الأساس لهذه القرية الجبلية والمرجعية، التي حفظت بقاء سكّانها منذ مئات السنين، رغم قسوة المكان، لكونه مقاماً يرقد فيه "أولياء الله الصالحون" وأهل الكهف الذين ذكرهم القرآن وباقي الكتب السماوية، "وبه يتبرّكون"، بحسب أهل القرية.

يتوسّط المقام جامع بصومعة فريدة بُنِيَت وفق الميزات الثقافية الأمازيغية، ويحيط بالجامع الصغير عدد من القبور الممتدة طولا (4 أمتار تقريباً)، يعتقد السكان أنّها لأصحاب الكهف "الذين هربوا من بطش الملك دوقيانوس الذي أراد قتلهم بعدما اكتشف إيمانهم وتوحيدهم للّه بالعبادة".

ويمتدّ المقام على مساحة تقدّر بـ200 متر مربّع، ويبدو مكانه جليّاً من بعيد في أعالي جبال المنطقة التي تتبع سلسلة جبال الأطلس الممتدة الى المغرب.

يقع "الغار" (الكهف) في الناحية الخلفية للمسجد. وحارس المقام، فيما يضرب بيده على حجرة عملاقة يعتقد أنّها تغلق الغار منذ آلاف السنين، يقول: "كثيرون حاولوا زحزحة هذه الحجرة والتعرّف إلى ما هو موجود وسط الغار، لكنّهم عجزوا، رغم الجرّافات التي اصطحبوها".

ويضيف في يقين يبدو غير مصطنع أنّ "اللهّ هو الذي أغلق الغار لحماية أوليائه الصالحين من ظلم أحد الملوك قبل آلاف السنين".

من جهته بو بكر الزّيان (21 عاماً)، الذي يشتغل دليلاً سياحياً للمقام، يقرّ بأنّ أهالي "شنيني" على يقين "بأنّ مكان أهل الكهف وعددهم مخفيّان كما ورد في نصّ القرآن الكريم، ولا يعلمهم إلّا الله". غير أنّ هذا المقام يتضمّن جملة من العلامات المتوافقة مع ما ورد في القرآن حول قصّة أهل الكهف.

ويمضي قائلاً لمراسل "الأناضول": "لدى سكّان شنيني والجنوب التونسي عموماً، اعتقاد شعبي متجذّر بأنّ "سبعة من المؤمنين الصالحين قبل آلاف السنين هربوا من ظلم حاكم مملكة "دوقيانوس"، وهي المملكة التي ما زالت آثارها قائمة في هذه المنطقة، ولجأوا إلى هذا الغار حيث ناموا 309 سنين، قبل أن يستيقظوا ويجدوا أنفسهم غرباء في عالم جديد، وأمر ملك ذلك العصر ببناء مسجد على الغار الذي اختبأوا فيه".

ويشير إلى أنّ "اتجاه الشمس حول هذا الغار يتطابق مع ما نصّ عليه القرآن في سورة أهل الكهف، حيث "تزاور" الشمس يومياً فتحة الغار عن اليمين في الشروق، وتقرضه ذات الشمال إذا ما غربت. أي أنّ الشمس تميل عن فتحة الغار عند مشرقها ولا تصيبه عند الغروب".

هذا الأمر يعتبره علامة ترجّح فرضية وجود أهل الكهف بـ"شنيني" في تونس وليس الأردن أو تركيا أو اليمن كما يعتقد بعض سكّان تلك البلدان.

يضيف بو بكر: "من المعجزات التي ثبتت في "مقام رقود السبعة" هذه الصومعة (يشير بإصبعه) التي تميل بوسطها في انحناءة خفيفة نحو اتّجاه القبلة". ثم يتابع: "تمّ ترميم الصومعة في مناسبات عديدة من أجل تسوية الاعوجاج الخفيف فيها، غير أنّه بعد كلّ ترميم سرعان ما تعود إلى الانحناءات الخفيفة". ويختم: "إنّها راكعة نحو اتّجاه القبلة".

اليوم أضحى مقام "رقود السبعة" وعين الماء العذب المجاورة له، من المعالم السياحية المميّزة للجنوب التونسي. فإلى جانب طابعه الثقافي التاريخي، يمثّل المقام احدى النقاط الجاذبة للسيّاح، الذين يستلطفون منطقة فريدة جمعت في تضاريسها الجبال الشاهقة والصحراء الواسعة.

بات المقام ومدينة "شنيني" الجبلية عموماً منذ حوالى سبع سنوات، أحد المعالم التي تحظى بعناية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) عبر مشروع واسع من أجل ترميمها والمحافظة عليها.

وتتداول أجيال بعد أجيال حكاية "الرقود السبعة" في الجنوب الصحراوي لتونس، باعتبارها اعتقادات متجذّر يستغلّها الكبار في تربية صغارهم، بما تحمله من قيم الإيمان ونقيضه، والعدل والظلم، ونصرة الحقّ على الباطل.

 

المساهمون