"الدم والنفط"... كتاب يتتبع صعود محمد بن سلمان كقائد سعودي "مستبد"

الدم والنفط - كتاب - تويتر
02 سبتمبر 2020
+ الخط -

راجعت جاكي نورثام، في مقال على موقع "الراديو الوطني العام" في أميركا NPR، الكتاب الصادر، أمس الثلاثاء، "الدم والنفط" الذي يعرض أسرار الصعود الصاروخي لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وسعيه الدؤوب إلى المال والسلطة.

في مارس/ آذار 2015، عندما دعا بن سلمان إلى اجتماع لكبار القادة العسكريين في المملكة. كان الأمير البالغ من العمر 29 عاماً قد عُيِّن للتو وزيراً جديداً الدفاع من قبل والده الملك سلمان بن عبد العزيز، وذلك على الرغم من عدم تلقيه أي تدريب عسكري مسبقاً.

"على رأس جدول الأعمال حضر ملف اليمن الجار، حيث كان الحوثيون المدعومون من إيران يسيطرون بسرعة على الأرض. في الاجتماع فاجأ محمد بن سلمان الضباط المخضرمين الذين توقعوا أنه سينتظر تدخل الولايات المتحدة التزاماً بقواعد اللعب المتبع منذ عقود في المنطقة، ولكنه بدلاً من ذلك أمر بإرسال مقاتلات F-15".

وكما كان متوقعاً، أدت "المقامرة الجريئة عالية المخاطر" التي قام بها الأمير الشاب إلى نتائج عكسية، فعلى الرغم من امتلاك المملكة أسلحة عالية التقنية؛ فإن القوات المسلحة السعودية ليست معروفة ببراعتها العسكرية، إذ فشلت محطات الرادار الأرضية في العمل، ما اضطر الطيارين السعوديين إلى الطيران على ارتفاع منخفض بما يكفي لاستخدام هواتفهم المحمولة للتواصل مع مركز العمليات!

كان محمد بن سلمان قد أكد لوالده وللمسؤولين الأميركيين أنّ عملية اليمن ستنتهي في غضون شهرين، اليوم وبعد خمس سنوات تستمر الغارات بقيادة السعودية، وقد أدت حتى الآن إلى مقتل آلاف المدنيين، لتجعل من اليمن بلداً يشهد واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في العالم.

بهذه المقدمة التي تُظهر سوء التقدير الخطير لولي العهد السعودي بشأن اليمن، يبدأ كتاب "الدم والنفط"، وفيه يقدم المؤلفان برادلي هوب وجوستين شيك، وكلاهما مراسل في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، صورة حية عن ممارسات الخيانة والاستيلاء على السلطة في الديوان الملكي السعودي، ويحاول الكشف عمّا يدفع بعض أفراد العائلة المالكة من الشباب في كثير من الأحيان، إلى اتخاذ قرارات متهورة.

في الكتاب، يستغلّ المؤلفان مهاراتهما في إعداد التقارير، واستخلاص المعلومات من المستندات الحكومية السرية والإيداعات المالية والممارسات التجارية غير الناجحة إلى حد كبير لولي العهد، والمعروف بالعامية باسم MBS. وأجرى المؤلفان مقابلات مع أشخاص تفاعلوا مع ولي العهد، دون الكشف عن أسماء معظمهم، لأنهم خائفون من التحدث عنه. وعند قراءة الكتاب تجد نورثام أن خوفهم هذا "يغدو مبرراً جداً، مع تكشّف حقائق الشخصية المخيفة لولي العهد".

يعرض الكتاب تطوّر محمد بن سلمان من طفل مشوّش، يعاني من زيادة في الوزن ومدمن طعام "ماكدونالدز"، إلى شاب يزداد قسوة، وطموحاً نحو العرش.

يسرد الكتاب كيف أنه بعد فترة وجيزة من تولي الملك سلمان العرش، بدأ محمد بن سلمان بإطاحة أفراد العائلة المالكة المنافسين أو سجنهم، بما في ذلك ولي العهد آنذاك، محمد بن نايف. وبسرعة خاطفة، جمّع محمد بن سلمان الذي لم يبلغ الثلاثين من عمره آنذاك، قوة هائلة بين يديه، حيث أصبح مسؤولاً بشكل كلي عن الدفاع والاقتصاد، وترأس شركة "أرامكو" النفطية، إحدى أكبر الشركات في العالم وأكثرها ربحية.

يصل الكتاب إلى عام 2017، عندما خالف الملك سلمان التقاليد المتبعة في تعيين ولي العهد، وأجرى تغييرات في التسلسل الهرمي، فأصبح محمد بن سلمان، ابنه المفضل، ولياً للعهد.

يرى المؤلفان أنّ محمد بن سلمان ربما باع والده أوهام رؤيته للمملكة العربية السعودية، التي تنطوي على استقلال المملكة عمّا يسميه "الاعتماد على النفط"، والسماح بمجتمع أكثر انفتاحاً لجيل شاب صاعد. وبحسب المؤلفين، أدرك ولي العهد أنّ المملكة المنعزلة بحاجة ماسة إلى التحديث والاستثمار الأجنبي، فاستقطب مستشارين ومسؤولين غربيين بمبالغ باهظة، ودفع لشركة "ماكينزي" ومجموعة "بوسطن الاستشارية" عشرات الملايين من الدولارات، مقابل مخططات واقتراحات، أثمرت عدة قرارات، كان منها السماح للمرأة بقيادة السيارة أخيراً.

أجرى المؤلفان مقابلات مع أشخاص تفاعلوا مع ولي العهد، دون الكشف عن أسماء معظمهم لأنهم خائفون من التحدث عنه

ساعدت تلك القرارات في تلميع صورة وليّ العهد باعتباره إصلاحياً، وشاباً ديناميكياً يسعى بجد إلى الوصول بالمملكة العربية السعودية إلى القرن الحادي والعشرين. وقد رحّب كتاب الأعمدة البارزون والسياسيون الغربيون بالأمير الشاب، بما في ذلك الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

ويعرض الكتاب عدداً  من الروايات التي تتحدث عن فوضى البيت الأبيض في أثناء محاولة تنظيم زيارة ترامب للسعودية، بعد فترة وجيزة من توليه منصبه، مطلع عام 2017.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول من العام ذاته، سافر إلى الرياض مصرفيون دوليون وأباطرة ترفيه ورجال أعمال، لحضور مؤتمر استثماري كبير أطلق عليه اسم "دافوس الصحراء"، في محاولة لركوب الموجة والحصول على حصة من كعكة الاستثمارات.

هذا التدافع الأميركي نحو المملكة الغارقة بأموال النفط، جعل محمد بن سلمان يقرر أنّ المؤتمر كان "ناجحاً للغاية"، فالأمير الشاب وصل إلى ما كان يبتغيه على الصعيد الشخصي.

استمتاع بمنظر معتقلي "ريتز كارلتون"

صورة الإصلاحي الشاب لا تستمر طويلاً، إذ يشير المؤلفان إلى أنّه "تحت قشرة الإصلاح يتخفّى مستبد كبير"، فبعد أيام من "دافوس الصحراء"، بدأ محمد بن سلمان باعتقال المئات من الأثرياء السعوديين؛ رجال أعمال أقوياء وكبار أفراد العائلة المالكة وشخصيات دينية بارزة، زعم أنهم كسبوا أموالهم بشكل غير قانوني. وقرر الأمير المبذّر أنه قد حان الوقت لاسترداد الأموال.

وهنا يعرض المؤلفان تفاصيل حياكة ثياب اعتقال خاصة بالمحتجزين في فندق "ريتز كارلتون" حتى يستمتع الأمير برؤيتهم عبر كاميرات المراقبة وهم في حالة من الإذلال بها، مع إجبارهم على النوم على الأرض، ومنعهم من الذهاب إلى الحمامات إلّا برفقة الحراس. ثم يعرض الكتاب عمليات التسوية التي جرت بشكل فردي، ومليارات الدولارات التي حصل عليها ابن سلمان جراء ذلك.

يرى المؤلفان أنه من المحتمل جداً أن يقود الشاب الملكي المتهوّر والخطير المملكة العربية السعودية لنصف القرن المقبل

اختطاف الحريري وحصار قطر وخاشقجي... ومغامرات المالديف

يفرد الكتاب حيّزاً مهماً لـ"المغامرات غير المنضبطة" لولي العهد، من اختطاف رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري، إلى فرض الحصار على دولة خليجية مجاورة، هي الجارة قطر، رغم تحذيرات المسؤولين الاميركيين للأمير من خطورة هذه الخطوة.

ويتحدث الكتاب، وفق موقع "أكسيوس" الأميركي، عن خطة سعودية في مارس/ آذار 2017، لتصوير قطر على أنها داعمة للإرهاب. ويشير إلى أن المملكة ابتكرت خطة تدريجية في مارس/ آذار من ذلك العام، لتصوير قطر كدولة راعية للإرهاب، قبل أشهر من إطلاقها مع حلفائها في المنطقة، حملة مقاطعة كاملة لقطر.

وتضمنت الخطة الاعتماد على صحافيين، مصنفين على أنهم ودودون، محايدون، أو معادون، وتأثيرهم على أنه منخفض، متوسط، أو مرتفع.

كذلك يعرض الكتاب سياسة الأمير ومستشاريه المقربين في تعقب المعارضين أو أي شخص ينتقده، وتهديدهم وسجنهم وربما ما هو أخطر وأفظع. كمقتل جمال خاشقجي، الصحافي العالمي، الذي كان منتقداً علنياً لولي العهد، وكيف انتهى به الأمر على يد فريق الاغتيال الخاص بالأمير، والطريقة المرعبة في قتله والتسجيلات التي تتحدث عن كيفية تقطيع جثته بُعيد دخوله إلى القنصلية السعودية في إسطنبول، ويعرض الكتاب مواقف العائلة الملكية من الجريمة البشعة ومحاولات نفي مسؤولية الأمير عنها.

يشير الكتاب إلى خطة سعودية لتصوير قطركدولة راعية للإرهاب، قبل أشهر من إطلاقها مع حلفائها في المنطقة، حملة مقاطعة كاملة للدوحة

ولا يهمل الكتاب إفراد مساحات لمغامرات الأمير الماجنة في جزر المالديف، التي أنفق عليها أكثر من 50 مليون دولار، ويعرض المؤلفان تفاصيل البذخ والنساء اللواتي أُُحضرن من البرازيل وروسيا ودول أخرى، وكيف كانت السرية هي الشغل الشاغل للأمير، وكيف توقف كل ذلك مباشرة بعد تسريب أمر هذه الحفلات إلى موقع إيراني.

ويشير إلى أن اليخت الضخم الذي يملكه "سيرين" يسافر ضمن مجموعة تتألف من 11 يختاً، بما في ذلك سفن الدعم واليخوت الأصغر، لنقل ضيوف إضافيين. ويشير إلى أنه جهز يخته من الداخل بأحدث معدات الوسائط المتعددة، التي تحوّل اليخت، ببضعة أزرار، من مكان للاجتماعات الرسمية، إلى مسرح كامل للاحتفال.

ويلفت ناشرو الكتاب أيضاً إلى وجود حظيرة طائرات هليكوبتر سابقة على متن اليخت، تضم ملهى ليلياً خاصاً، مجهزاً بأعمدة للراقصين، مؤكدين أنه لا يُسمح لطاقم السفينة بالتوجه إلى هناك تحت أي ظرف كان.

اختراق "تويتر"

يتوقف الكتاب أيضاً عند اهتمام الأمير بمنصات التواصل الاجتماعي، السعودية منها خاصة، حيث حاول أن يضع يده على المنصة الأوسع انتشاراً بين الشباب السعودي، وهي "تويتر"، فحاول اختراق الموقع من خلال شراء أحد المديرين العاملين في مقره الرسمي، والمدعو أحمد أبو عمو. ويستفيض الكتاب في هذه القضية، مخصصاً لها فصلاً مستقلاً.

تتساءل الكاتبة في نهاية مراجعتها للكتاب، قائلة: "أين والده؟ لماذا تبدو يدا الملك سلمان مقيدتين تجاه ابنه بعد كل هذه القرارات المتهورة والمدمرة؟".

وترى في هذا الصدد أنّ الولايات المتحدة تتحمل نصيباً من المسؤولية، إذ لم تكن هناك أي دعوات لضبط النفس من البيت الأبيض، بل إنّ الرئيس ترامب ألقى جانباً تقارير وكالات الاستخبارات الأميركية التي تحدثت عن مسؤولية محمد بن سلمان في مقتل الخاشقجي، قائلاً إنّ المملكة "شريك تجاري مهم".

توافق الكاتبة مؤلفي الكتاب، في أن وليّ عهد المملكة الغنية بالنفط قادر على تحريك الأسواق العالمية، "ومن المحتمل جداً أن يقود الشاب الملكي المتهوّر والخطير المملكة العربية السعودية لنصف القرن المقبل"، كما تختم.

المساهمون