مَلَنْكوليا

مَلَنْكوليا

10 ديسمبر 2016
دينو أحمد علي/ سورية
+ الخط -

- ألم أقل لك مرارًا إنّ هذه الطفلة متاهة سرمديّة لا نهاية لها؟

- صحيح...

- ألم أقل لك مرارًا دعها وامض بعيدًا؟ لكنّك لم تصغ...

- صحيح...

- ما كان عليك أن تصطدم بها بهذه الصورة المفجعة

- صحيح...

- انظر إلى نفسك! لو أصغيت إلي، لما كنت الآن تجلس منطويًا هكذا، تتلفّح بنفسك وتختبئ خلف يديك مسترقًا النظر بعين واحدة

- صحيح، لكن ماذا كان سينفعني هذا الكلام بعد أن خطوت إلى داخل المتاهة مقدارًا غير يسير من الخطوات؟

- كان عليك أن تعود أدراجك، وتلوذ بالفرار.

- ماذا سيكون نفع العودة حينما تصبح العودة وإكمال المسير سيّان؟ فالعودة من وسط متاهة هي لغز بحد ذاته كما هو إكمال الطريق، بل ربما أصعب... من الطبيعي أن أفضّل أن آخذ فرصتي وأتابع المسير... فأنا لم أكن أملك شيئًا، لذلك فضلت أن أُجازف بلا أشيائي عساني أحصل على شيء ذي قيمة، على أن أجازف بلا أشيائي لقاء لا شيء آخر... لم يكن ثمّة ما أخسره...

- ولقد قلت لك حينها بأنّي أتوجّس شرًا...

- لم قلت ذلك؟

- لأنّي أعتقدت حينها أنّ هناك ما يمكن أن تخسره.

- وما هو؟

- ...

- لا تسكت، أجبني، هل تصمت حينما أحتاجك فعلًا؟

- وهل أصغيت إليّ حينما كلّمتك؟ حينما كان ينفع الكلام...

- كفّ عن التفذلك! أجبني!

- قلت لك بأنّك ستخسرني أنا؛ عقلك، واتهمتني حينها بأنّني قلق على نفسي، وأخاف أن تأخذ مكاني ما سميّتها حينها "حبيبتك"، وأصررت عليك حينها بأنّي قلق عليك من دوني، وقلق عليك معها، أو لا أقول معها، فهذا كان مستبعد.

- ...

- وأمرتك بالكفّ عن تسميتها بالحبيبة، قلت لك مرارًا بأنّ هذه ليست حبيبة، هذه طفلة، تلهو بك وتعبث، وبأنّك الآن لعبتها المثيرة، المسليّة، أنت ما يكسر روتين حياتها، وحينما تملّ منك، سترميك مجددًا، وتعود لتلهو بألعابها اليوميّة. فاتّهمتني بالعبث بأعصابك، وقلت لي إنّك تشعر بالهدأة بقربها وببعدي عنك، واضطراب البال بقربي وببعدك عنها.

- وماذا حصل حينها؟

- لقد أعلنت التحدّي، وجازفت بي لقاء امتلاكها

- فهمت... هي ليست هنا، أفهم من ذلك بأنني لم أحظ بها؟

- بل حظيت بها

- إذن أين هي الآن؟

- أففف...أنت فعلًا بلا عقل

- لماذا لا تكون هي بجانبي؟

- لقد تخلّيت عنها بنفسك بعد أن قطعت طريق عذابٍ لا ينتهي

- لماذا؟!

- لأنّك فقدت عقلك، فقدتني بعد أن جازفت بي، أنت مجنون... هذا ما يَحدُثُ غالِبًا حينَما نُريدُ شَيئًا ما بهذه الرغبةِ الشَديدَة، نرفضهُ بِقَدر رغبتنا بهِ، وبِقدرِ حُبنا له... أنت فعلًا مجنون، لقد رفضتها بعد أن حظيت بها أخيرًا.

* كاتب من فلسطين 

دلالات

المساهمون