سناء البنا

أنماط السلوك التي تفضي إلى الجريمة ليست سوى عرض لمركز بات راسخًا يكرّس دونية أي "آخر" مختلف، أنثى أو مثلي أو غير مسلم أو خلافه، ويؤهل لمحو وجوده بموجب الشك في كونه "آخر"

لم يكن الحراك الشعبي في مصر مؤامرة، ولا الدماء التي سالت أنهارًا في ميدان التحرير كذبًا، ولم يكن مقتل علماء، كالشيخ الشهيد عماد عفت، مسؤول الفتوى في الأزهر هباءً، فالحق أن حراكا شعبيًا نشب وتنامى، لأجل حقوق أساسية حرم الناس منها عقودًا.

حقوق الإنسان لا تحميها الدول ومؤسسات السلطة، سواء المركزية أو المحلية، بل تحميها آليات الحشد والضغط الحقوقي داخل المجتمع، ومن ثم يبقى الحديث عن "مدن حقوق الإنسان" نخبويًا، ما لم يسبقه ضغط دولي لإقرار حقوق المجتمع، أفرادًا وفئات، في مواجهة السلطة.

فيما تعلن وزارة الصحة المصرية امتلاء مستشفيات العزل إلى أقصى طاقتها، يبدو أن الطاقة الاستيعابية للسجون لا تخضع لشروط الحجم والمكان الفيزيائية، على الأقل في نظر مشرعي القوانين التي أقرت أخيرا عقوبة الحبس لمخترقي قرار حظر التجول

تفيد إحصاءات عام 2019 أن كارثة قد تقع في السجون المصرية، إذا لم يتم الضغط على السلطات للإفراج عن عشرات الآلاف من الفئات الأكثر ضعفًا وعرضةً للإصابة بكورونا، والفئات التي لا تشكل خطرًا على المجتمع بإطلاق سراحها.

استهدفت مؤتمرات ومبادرات، في الأساس، موجات الهجرة والتطرّف بين الشباب في الوطن العربي، ليتحول منظور العمل الدولي من اعتبارهم "وقود التنمية" إلى كونهم شبكات من الأفراد الخاضعين لتأثير جماعات وأيديولوجيات التطرف الفكري التي تحاول تغيير الأوضاع القائمة في المنطقة.

لا يترك النظام المصري للأفراد الوقت، ولا القدرة على استعمال التكنولوجيا للتواصل السياسي. إذ تحاصر الملايين في سوق التعليم والعمل آليتان تتحكمان في الوقت والجسد والمستقبل على السواء، وهما التجنيد الإجباري وسوق العمل في المشروعات التابعة للهيئة الهندسية للقوات المسلحة.

يتعامل النظام المصري مع بناء إثيوبيا سد النهضة ببلاهةٍ تقف وراءها مخططات أخرى، منها مساومة المصريين على الموت عطشَا أو تمديد ملياري متر مكعب مياه إلى إسرائيل.. ومع أنها تبقى أطروحات تحليلية، إلا أن مؤشراتها تكاد تتكامل في اتجاه واحد.

يبدأ التحول حين تطرد المدينة أهلها، حين تزيحهم إلى هوامش الضواحي، على أساس أن قيمة "المركز" أعلى من قيمة الإنسان، وأن فاحشي الثراء فقط هم من يمكنهم توفير السكنى في قلب المدينة.