مذكرات يمنية.. "ساعدنا أنا من عندكن من سورية"

مذكرات يمنية.. "ساعدنا أنا من عندكن من سورية"

10 سبتمبر 2015
أختي الغالية .. أرجوك لا تسامحينا (Getty)
+ الخط -
في زيارتي الأخيرة إلى اليمن قبل أكثر من عام، ورغم أن التسول ظاهرة مُنتشرة في اليمن، لا يمر أول يوم حتى تعتاد تماما على وجود المتسولين حولك، تارة تعطي هذا، وتارة أخرى تُبدي اللامبالاة، فكثرتهم القاتلة تجعل من المستحيل أن تعطي الجميع. إلا أنه لوهلة توقفت الأصوات من حولي .. لم تعد في أذني سوى جملة هذه المتسولة .. "الله يخليك يا أخي .. ساعدنا أنا من عندكن من سورية".

جملة لم أتخيل قط أن أسمعها هنا في اليمن، أو على الأقل لم أوطن نفسي لذلك فأين اليمن وأين سورية! من هول الصدمة كان لزاما عليّ أن أتوقف عن المسير وأترك صديقيّ وألتفت للخلف لأجد أنها فعلا فتاة سورية في زهرة شبابها في حضنها طفلة صغيرة. اضطرتها قسوة الحياة ومعيشتها لتتسول في بلد يعاني أبناء شعبه الأمرين أصلا وفيه من الفقر ما يكفيه. الفقر هُنا في أصله مؤلم للغاية. الشعب هنا حزين بطبعه. فيه من الهم ما فيه. ومن يعش في اليمن تُجبره هذه الظروف على أن يتشكل على وجهه الحزن رغما عنه .. إلا أن الأمر لم يكن بهذه الطريقة لحظة نطقت تلك المتسولة بجملتها. فالألم الآن ألمان .. وما كان يُحزنني لفقر أهل اليمن أصبح حزنين. ماذا عساني أفعل لكِ أختي؟ لم تنطق بها شفتاي .. بل نطقت بها عيناي عاجزة عن الفعل!

ماذا يعني؟ وإن أعطيتها نقودا؟ ماذا يعني؟ ها؟ لا شيء .. لا شيء سوى أنها وصمة عار طُبعت في وجوهنا ونحن نرى بنات الوطن وأطفال الوطن مشردين هُنا وهناك. نسمح للطامعين وبائعي الضمير أن يستغلوهم أسوأ استغلال!

أتساءل كثيرا عن ماهيّة شعور حكومتنا المُبجلة.. وعلى نقيض معارضتنا الباسلة! أتساءل هل يُفكرون أصلا بمثل هؤلاء؟ هل يعلمون مثلا أن هُناك شبكات منظمة تستغل الأطفال والفتيات والأمهات للشحادة استغلالا لحالة الحرب التي يعيشها شعبنا السوري! ليس في اليمن فقط .. بل هي ظاهرة انتشرت في كثير من أنحاء الوطن العربي، بل وأصبحوا تجارة رخيصة للزواج! بماذا تشعر الشعوب التي تستغل حاجة الشعوب الشقيقة لها، لتستغل ظروف أبنائها بمثل هذه الظواهر! ثم نغني بألحان الحب أننا يدٌ واحدة .. شعوب واحدة .. أي كذب مقرف هذا .. أي مرض نعيشه وتعيشه شعوبنا!

ثورة؟ من قال أن الثورات وجدت لتُذل الشعوب؟ لتجعل منهم متسولين في كل مكان؟ لتُهان المرأة و يُستغل الطفل؟ ثورة؟ متأكدون أنها ثورة؟

الثورة يا سادة .. نعم قد تسقط فيها الدماء والأشلاء.. لكنها تفوح برائحة المسك وفخر الشهداء .. الثورة أن نحرم أنفسنا اللقمة لنساعد بها شعبا شقيقا احتاج إلى العون منها. الثورة خطوات للأمام لا رجوع للخلف. الثورة عزة المرأة والحرص على الطفل واستغلال لطاقة الشباب. من الشعوب نفسها قبل أي حكومة جديدة نرقص تهليلا لقدومها.

أختي الغالية .. أرجوك لا تسامحينا .. العني تخاذلنا .. واتفلي في كل لحظة على كذبة سمّوها نخوة العرب. كنا نبحث عن "شوية كرامة" و"موت بلا مذلة" لنصل لحقيقة أنه "لا كرامة -وفوق منها- موت ومذلة!".

(سورية)

المساهمون