من الأرز... إلى سامسونج

من الأرز... إلى سامسونج

25 فبراير 2015
كوريا عاصمة تكنولوجيا العالمية (جينغ يون جي/فرانس برس)
+ الخط -
تضم شركة "سامسونج" الكورية، الشهيرة بهواتفها الذكية وأجهزة التلفاز، خمسين ألف باحث، أي ما يعادل مجموع عدد الباحثين في كل المجالات في مصر، وضعف عدد الباحثين في الأردن، و4 أضعاف عدد الباحثين في السعودية. 
في الواقع، لن تجد تكنولوجيا متأصلة في الحياة اليومية في أي مكان في العالم بقدر تأصلها في كوريا الجنوبية، الدولة التي تضم عمالقة التكنولوجيا العالمية مثل "سامسونج" و"إل جي"، والتي تضع قيمة عالية للتكنولوجيا في جميع جوانب الحياة.
إن قصة نجاح "سامسونج" مرتبطة بشكل وثيق بنجاح كوريا الكبير في التحول من بلد يقوم على زراعة الأرز والسكر، تماماً كما كانت بدايات شركة "سامسونج" عند تأسيسها، إلى قوة اقتصادية عالمية هائلة، يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي اليوم أكثر من تريليون دولار.
في عام 1938، قام "بيونج شول" بإنشاء متجر لبيع الأرز والسكر أطلق عليه اسم "سامسونج"، التي تعني بالكورية "النجوم الثلاثة" في إشارة إلى المبادئ الرئيسية التي تحملها شركته وهي أن تكون كبيرة، وقوية، وأن تبقى للأبد. وهذا ما نفذه "بيونج" بالفعل. ليست "سامسونج"، فحسب، بل شركات كورية ضخمة استطاعت أن تغزو العالم كله بصناعتها الكهربائية والإلكترونية.
لكن كيف بدأت قصة النجاح الكورية؟
قامت كوريا بدعم هذه الصناعات من خلال إنشاء العديد من مدارس ومراكز التأهيل المهني للعاملين والمهندسين والخبراء، وإلزام الشركات بتأهيل العاملين بها. وقد واكب النمو الملحوظ للاقتصاد الكوري، الذي يحركه قطاع تكنولوجي قوي، تحسينات في العدالة الاجتماعية وارتفاع في الاستثمار في رأس المال البشري. وفي نتائج عام 2006 لبرنامج منظمة التعاون والتنمية الدولي لتقييم الطلبة، جاءت كوريا في المرتبة الأولى في حل المشاكل، والثالثة في الرياضيات، والسابعة في العلوم، حيث تعتبر هذه الاختبارات المعيار الدولي الرئيس لقياس جودة الأنظمة التعليمية في البلدان المختلفة ومدى جاهزية الطلاب المقبلين على إنهاء مرحلة التعليم الإلزامي في المساهمة في بناء المجتمع.
خلافاً لفنلندا، التي يمكن تفسير مرتبتها المتقدمة في "البرنامج" لتفوقها الكبير في التعليم العام، فإن استثمار كوريا في رأس المال البشري يعتمد بشكل كبير على القطاع الخاص. ينفق الآباء والأمهات ما يقرب من 25% من دخلهم على تعليم أطفالهم، وهناك جزء آخر يتم تخصيصه للمواد التعليمية التكميلية خارج نظام التعليم الحكومي مثل الدروس الخصوصية. وتشكل تكلفة التعليم الخاص في كوريا حوالي 4% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث يكتسب الطالب نحو 30% من تعليمه الرسمي من المدرسة، والباقي من تدابير تعليمية تكميلية.
وتنفق الحكومة الكورية بسخاء على التعليم العام وبنسبة تصل إلى 4.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي؛ وهي سائرة في خططها لإنشاء "مدارس المستقبل" التي ترتكز على أساليب التعلم الجديدة القائمة على التكنولوجيا الجديدة، يقضي الأطفال فيها ساعات طويلة تمتد أيامها إلى 220 يوماً مدرسياً، مقارنة بـ 180 يوماً مدرسياً في الولايات المتحدة. وفي هذا الصدد، بدأت كوريا "حوسبة" مدارسها على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، فكانت أول دولة في العالم تقوم بتوفير خدمة الإنترنت عالية السرعة إلى كل المدارس.
ولدفع عجلة التطوير، ركزت كوريا جهودها في استغلال العامل التقني في استراتيجيتها التعليمية، ما أهلها للحصول على جائزة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) لعام 2007، كأنجح الدول في الاستخدام المناسب لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بهدف تحسين نوعيّة التعليم. وليس مستغرباً، بالتالي، أن تُسجل كوريا أفضل النتائج في اختبارات "محو الأمية الرقمية" لعام 2011، وهي أحد إختبارات برنامج منظمة التعاون والتنمية الدولي لتقييم الطلبة.
وتنصبّ الجهود الحكومية حالياً على التحضير لاستخدام الكتب المدرسية "الرقمية" في جميع المدارس ولجميع المواد الدراسية وذلك بحلول عام 2016، سواء عن طريق أجهزة الكمبيوتر المحمولة، أو الأجهزة اللوحية، أو الهواتف النقالة. مما لا شك فيه أن كوريا الجنوبية تحاول استباق المستقبل والاستعداد له بالاستناد إلى بنية تحتية إلكترونية متطورة ورأسمال بشري على درجة عالية من الكفاءة، ما يجعل اقتصادها أكثر فاعلية ونجاعة.
(خبير اقتصادي أردني)

المساهمون