اعتراضات على مشروع قانون تطوير المنشآت الطبية في مصر: مخالفة دستورية وتأجير للمستشفيات

17 مايو 2024
مشروع القانون يحظر منح بعض الخدمات الصحية الإلزامية، 29 إبريل 2020 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- مجموعة من الأطباء وأعضاء نقابة أطباء مصر يعبرون عن رفضهم لمشروع قانون يسمح بإشراك القطاع الخاص في إدارة المنشآت الطبية الحكومية، مخاوف من تأثيره السلبي على الخدمات الصحية.
- لجنة الصحة بمجلس النواب المصري توافق على المشروع، معتبرة أنه يهدف لتحسين جودة الخدمات الصحية، مع وجود بنود تحمي بعض الخدمات وتضمن عدم المساس بالخدمات المقدمة للمواطنين.
- الأمين العام السابق لنقابة الأطباء، إيهاب الطاهر، يرفض المشروع مشيرًا إلى مخاطر تقليص الخدمات وإمكانية استغناء المستثمرين عن العاملين، مؤكدًا على ضرورة الحفاظ على حق المواطن في الصحة.

أعلن أطباء، بينهم أعضاء سابقون وحاليون في مجلس نقابة أطباء مصر وباحثون متخصصون، رفضهم العديد من بنود مشروع قانون تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الطبية في مصر الذي يجيز إشراك القطاع الخاص في إدارة وتشغيل المنشآت الطبية الحكومية.

ووافقت لجنة الصحة بمجلس النواب المصري، بشكل نهائي، خلال اجتماعها، الثلاثاء، 14 مايو/ أيار الجاري، على مشروع القانون المقدم من الحكومة بشأن تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الطبية في مصر الذي يسمح بمشاركة القطاعين الخاص والأهلي في خدمات الرعاية الصحية، بهدف تحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين والعمل على رفع كفاءتها.

وتتلخص أهم بنود مشروع القانون، الذي وافقت عليه لجنة الصحة في مجلس النواب "حظر منح (بعض) الخدمات الصحية الإلزامية، والخدمات التي لها بُعد أمن قومي. وعدم سريان أحكام هذا القانون على مراكز ووحدات الرعاية الصحية الأساسية وصحة الأسرة. وعدم سريان أحكامه على عمليات الدم الخاضعة للقانون رقم 8 لسنة 2021، عدا الخدمات المكملة". وإضافة نصوص تضمن عدم المساس أو الانتقاص من الخدمات المقدمة للمواطنين. وعدم الانتقاص من الخدمات الوقائية من تطعيمات وخلافه، وكذلك الخدمات الإسعافية المجانية. وعدم الإخلال بحقوق المنتفعين بأحكام قانون التأمين الصحي الشامل.

وفي المقابل، وضعت الحكومة بنوداً أخرى أثارت حفيظة الأطباء ومخاوفهم من سيطرة الاستثمار على القطاع الطبي الحكومي، ومنها "إلزام المستثمر بتقديم (نسبة) من إجمالي الخدمات لمرضى نفقة الدولة والتأمين الصحي، بالأسعار ذاتها التي تحددها الدولة. وإضافة نصوص لحماية المصريين العاملين في هذه المنشآت من أطباء وإداريين وخدمات معاونة، وإلزام المستثمر باستمرار تشغيل نسبة لا تقل عن 25% من العاملين بالمنشأة الصحية، مع مراعاة الحفاظ على الحقوق المالية والوظيفية لهم ولغيرهم من العاملين الذين سيتم نقلهم لجهات أخرى، وعدم زيادة نسبة الأطباء والتمريض والفنيين الأجانب عن 25% من العاملين بالمنشأة".

وعلّق الأمين العام السابق لنقابة الأطباء المصريين إيهاب الطاهر على هذه البنود والتعديلات بـ"أن من يقرأها قد يرى أنها تهدف لتحسين شروط سيطرة المستثمرين على القطاع الصحي الحكومي، إلا أنها  قد تركت الأصل المرفوض وانصرفت لمناقشة التفاصيل! لاحتوائها على سلبيات جوهرية، منها: حظر منح بعض الخدمات الإلزامية وليس جميعها. كما نصت على حظر منح الخدمات التي لها بُعد أمن قومي، وكأن هناك بعض خدمات صحة الشعب ليس لها بعد أمن قومي".

وتابع الطاهر، في منشور له عبر حسابه على فيسبوك يناقش فيه بنود مشروع القانون: "كذلك نصت البنود على إلزام المستثمر بتقديم (نسبة) من إجمالي الخدمات لمرضى نفقة الدولة والتأمين الصحي؛ أي أن الخدمات المقدمة للمواطنين سوف تتقلص إلى نسبة محدودة والباقي سيكون علاجا استثماريا".

كما علّق الطاهر على المادة التي نصت على إلزام المستثمر باستمرار تشغيل نسبة لا تقل عن 25% من العاملين بالمنشأة الصحية، "أي أنه يستطيع الاستغناء عن 75% من العاملين الذين سيتم نقلهم لمنشآت أخرى، وبدلا من ذلك فإنه يستطيع الاستعانة بنسبة 25% من الأطباء والتمريض الأجانب بمستشفياتنا الحكومية".

وكرر الطاهر رفضه إسناد إدارة وتشغيل المنشآت الطبية في مصر لشركات استثمار أجنبية (أو حتى مصرية)، حيث "سيؤثر سلبا على المواطن غير القادر الذي يبحث عن علاج منخفض التكاليف. كما سيكون له تأثير سلبي على الأطباء والطواقم الطبية الذين سيعملون تحت إداراة المستثمرين بهذه المنشآت وكذلك الذين قد يتم نقل 75% منهم، فمن المعروف أن الهدف الرئيس للمستثمر هو تحقيق الأرباح، وهذا حقه في أي مشروع استثماري (خاص)، ولكن علينا في المقابل ألا نترك صحة المواطن المصري فريسة لتحقيق حلم الأرباح الاستثمارية على حساب صحة المجتمع".

وتابع الطاهر "أكرر القول بأن من يرغب في الاستثمار بقطاع الصحة عليه أن ينشئ ويدير منشأة طبية (خاصة) تضيف المزيد من الأسرة والخدمات للقطاع الصحي، وليس بأن يستولي على المنشآت الحكومية القائمة ليديرها لحسابه الخاص مع تخصيص نسبة محدودة لأصحاب المال وهم المواطنون".

كما ذكّر الطاهر جميع المسؤولين في مصر بنص المادة 18 من الدستور وهي "لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية... وتلتزم الدولة بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين في القطاع الصحي". 

وطرح الطاهر عدة أسئلة استنكارية، ليتفاعل معه المؤيدون والمعارضون للمشروع: "هل منح امتياز المنشآت الصحية الحكومية للمستثمرين هو حفاظ على حق المواطن في الصحة!! وهل منح المستثمرين كعكة المستشفيات الحكومية المتميزة هو حفاظ عليها كما نص الدستور!! وهل فتح الباب لنقل 75% من الأطباء والتمريض من مستشفياتهم هو تحسين لأوضاعهم!! وهل التزمت الحكومة بنسبة الإنفاق على الصحة المقررة بموجب الدستور".

الاعتراض على مشروع القانون تناولته أيضًا صفحة "الموقع المصري" التي يديرها باحثون ومتخصصون مستقلون في عدد من المجالات، والتي انتقدت تخطي الدولة المصرية الطريقة السليمة في تطبيق القوانين، من خلال تحويل أفكار الرئيس لقوانين ومن ثم تمريرها في البرلمان دون نقاش حقيقي أو مراجعة.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد اقترح في واحد من خطاباته في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي "فكرة غير قابلة للنجاح وأنا أنجحها"، حسب قوله، في إشارة لفكرة ناقشها مع وزير الصحة بشأن إنشاء مستشفى عالمي يحتوي على ألف سرير، معتبرًا أنها فكرة غير ناجحة بسبب حاجتها للكثير من الأموال، وبعدها حوّل الفكرة لمشروع ينفذه "هو" أو "الدولة"، في إشارة للهيئة الهندسية ومنح تشغيله للقطاع الخاص بحيث تدفع الحكومة ثمن الخدمة فقط. 

وأشارت الصفحة إلى أن مشروع القانون يمثل "تعديًا على الدستور الذي جاء في نص المادة 18 منه على (لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل)، وبالتالي "ليس من المنطقي في سبيل تخفيف الضغط على الموازنة، أن تتنصل الدولة من مسؤولياتها في قطاع حيوي مثل القطاع الصحي الذي يهدف في الأصل إلى توفير الخدمة لأكبر نسبة ممكنة من المواطنين".

وأكدت الصفحة أن "تطوير القطاع الطبي وتحسين الخدمة يتطلب إنفاق النسبة الدستورية 3% تصاعديًا وليس أقل من 1.2%، طبقًا لآخر قراءة لموازنة الدولة، بدلًا من توجيه أموال الضرائب لمشروعات غير ذات أولوية". كما أكد نقيب الأطباء المصريين أسامه عبد الحي على ضرورة وجود حوكمة ورقابة على القطاعين الخاص والأهلي وتشجيعهما على إضافة أسرة جديدة، ومشاركة القطاع الحكومي في تقديم الخدمات الصحية، مقدمًا العديد من الملاحظات على ما وصفه بـ"تأجير المستشفيات"، من خلال منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية.

وأضاف نقيب الأطباء، في تصريحات إعلامية سردتها النقابة في بيان رسمي لها، الخميس: "إن القانون نص على إلزام المستثمر باستمرار تشغيل ما لا يقل عن 25% كحد أدنى من العاملين بالمنشآت الصحية، أي أن القانون منحه الحق في تغيير أو الاستغناء عن 75% من العاملين بالمنشأة حق الالتزام، ونقلهم إلى جهات أخرى دون تحديدها".

وتابع عبد الحي "التأمين الصحي الاجتماعي حين يدخل محافظة جديدة يلتزم بتشغيل والحفاظ على حقوق كل العاملين في المنشآت الصحية، ويعيد تأهيلهم ويرفع كفاءتهم"، مشدداً على "ضرورة أن يضمن قانون منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية تشغيل نسبة 100% من العاملين بالمستشفى حق الالتزام، ووضع خطة لرفع كفاءة المستشفى وإعادة تأهيل الأطباء والعاملين بها".

المساهمون