التقليد أم التجديد في التكنولوجيا؟

التقليد أم التجديد في التكنولوجيا؟

28 سبتمبر 2015
انتشار واسع لممارسات التقليد بين الشركات التكنولوجية (Getty)
+ الخط -
يزداد التنافس بين المؤسسات العاملة في القطاع التكنولوجي بشكل كبير. وترتفع حدة التحدي بينهم لمستويات عالية من أجل اكتساب مميزات استراتيجية، تبوؤهم مراكز الصدارة في أرقام المبيعات، وتمكّنهم من الحصول على حصص إضافية للسوق، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على المردودية والربحية، وكذلك على الأداء الشامل والإجمالي للمنشآت والمقاولات.

وقد سجلت السنوات الأخيرة انتشاراً واسعاً لممارسات التقليد بين الشركات التكنولوجية كسبيل لمجاراة الأسواق والتماشي مع سلوكيات المستهلك، لتحقيق رغباته وتطلعاته في منتج أو خدمة تستعمل التكنولوجيا لغاية ما. وكانت أشهر هذه الممارسات التقليدية في القطاع التكنولوجي بين شركتي "آبل" و"مايكروسوفت"، حيث اتهمت هذه الأخيرة بسرقة حقوق الملكية الإبداعية للغرافيك التفاعلي لنظام الماكينتوش التابع لشركة آبل من أجل اختراع نظام التشغيل ويندوز 2.0 و3.0، وأسندت شركة آبل في دعواها القضائية التي خسرتها ضد مايكروسوفت حجة أن التقليد سيدمر الإبداع التكنولوجي ويقف حجرة عثر أمام التقدم العلمي ممثلاً في البحث والتطوير داخل المؤسسات.

اقرأ أيضا: تكنولوجيا المعلومات: الثورة مستمرة

واستمرت آبل في ريادتها الإبداعية من خلال إطلاق الأي ماك، أي بود، أي فون، وأي باد كباقة من الأجهزة الذكية المحمولة والتي تستجيب لتطلعات المستهلكين ومتغيرات العصر بتوفير السرعة، التواصل والتفاعل ثم الخدمات الإلكترونية العلمية، العملية والترفيهية. ولكن، سرعان ما حدث تقليد كبير للأي فون والأي باد من طرف شركة سامسونغ متجسداً في غالاكسي نيكسوس وغالاكسي تاب، وهنا فازت آبل بدعواها القضائية ضد سامسونغ، وحصلت على تعويض مالي، كما تسببت في منع بيع منتوجات سامسونغ في بعض الدول كالولايات المتحدة الأميركية وهولندا.

لطالما كثر الحديث عن أن الإبداع هو المحرك الفعلي لنجاح الشركات، وتحسين أدائها في الأسواق، لكن يبقى التقليد عاملاً مهماً تلجأ إليه العديد من الشركات لتعزيز إنتاجها وتطوير خدماتها، فسامسونغ مثلاً توفق بين الإبداع والتقليد كمسار نحو النمو والربح. فعلى الرغم من الصورة الذهنية السلبية والسمعة السيئة للتقليد لدى الشركات، إلا أن التقليد يمثل استراتيجية قوية للتأقلم مع طبيعة الأسواق عبر توفير تكاليف البحث والتطوير، تقليص الاستثمارات لخلق سوق استهلاكية ثم الاستفادة من أخطاء أصحاب السبق، والبناء عليها لصياغة سياسات قوية، تقوم على رصد ومراقبة أحوال السوق والمنافسين، وإرساء نظام للمقايسة والمعايرة معهم، وكذلك تتبع آخر الصيحات والتحولات التي تغير من ميولات المستهلكين.

اقرأ أيضا: التكنولوجيا وريادة الأعمال

وعلى هذا الأساس، لم يعد الإبداع والتجديد هو الطريق الوحيد نحو التميز عن المنافسين. فالتقليد أيضاً يمكن أن يكون طرحاً هاماً للتميز بل كذلك أصلاً للإبداع والاختراع، حيث يعتبر ستيف جوبز مؤسس آبل أن نجاح شركاته يرجع الفضل فيه للإبداع الذي هو عبارة عن أخذ أفكار موجودة أصلا وتطويرها عبر الجمع بينها وتوليفها في صورة واحدة، أو انتقادها وتحويل نقط ضعفها إلى مميزات.

ومما تجدر الإشارة إليه، أن للتقليد أنواعاً، فالتقليد الكلي للمنتوج لم يعد يحقق النتائج المرجوة، خاصة مع تزايد الحرص القانوني وتغطية الترسانة القانونية لقضية الملكية والفكرية وحرية الإبداع، والتقليد الجزئي حيث يتم نقل مكونات معينة أو خصوصيات محددة في المنتج كنظام التسعير، طريقة الترويج، منهج الاستعمال، التقنيات الفنية للمنتج، ونجاح هذا النوع رهين بمدى تجاوب السوق معها وقدرة تحكم الرائد وصاحب التكنولوجيا في آليات البحث والتطوير التي استعملها حتى لا تكون متاحة أمام الجميع. فعلى سبيل المثال، نجحت سامسونغ في إجراء تقليد جزئي لآبل في الهواتف واللوحات الذكية، بينما فشلت موتورولا في القيام بذلك، مما جعلها تخسر الكثير وجعلها على عتبة الإفلاس حتى اشترتها غوغل سنة 2012. وفيما بعد من طرف شركة ليفورنو سنة 2014، بعدما فقدت الكثير من قيمتها المالية وبريقها في السوق.

اقرأ أيضا: هل التكنولوجيا مدمرة لفرص العمل؟

ويبقى النوع الثالث من التقليد المسمى، بالتقليد الإبداعي الذي يوفق بين تقليد المنتجات، وتجديدها الأكثر صلابة في الأسواق التكنولوجية، إذ يعتمد على قدرات استراتيجية رصينة تتجلى في القدرة على متابعة الأسواق بنظام اليقظة والذكاء الاقتصادي.
(باحث وأكاديمي مغربي)

المساهمون