هل التكنولوجيا مدمرة لفرص العمل؟

هل التكنولوجيا مدمرة لفرص العمل؟

20 سبتمبر 2015
تطور أليات العمل (Getty)
+ الخط -
يكثر الحديث عن دور التكنولوجيا في تعويض العامل البشري داخل المؤسسات الاقتصادية والتجارية، فتزيد من الإنتاجية وتقوي الربحية دون الحاجة إلى موارد بشرية للعمل. وتترسخ هذه الأطروحة مع الانتشار الواسع للأتمتة متمثلة في تقنيات الحوسبة، الروبوتات الذكية، التطبيقات الآلية والبرامج المعلوماتية والتواصلية، مما يزكي قدرة المنشآت والمقاولات على الاستغناء على العامل البشري والاستعانة بالمنتجات التكنولوجية كبديل استراتيجي يمكن الحصول عليه بسهولة، يقدم خدمة بجودة عالية، يعمل كل الوقت ولا يطالب بحقوق نقابية وعمالية!

خطر مؤكد

وفي هذا السياق، فإن التكنولوجيا تشكل خطراً كبيراً، ليس فقط على الوظائف المرتبطة بالأعمال اليدوية كالتصنيع والبيع، بل يصل تأثيرها إلى الأعمال الإدارية وإلى العديد من المهن كالمحاماة، الطب، التعليم والخدمات المالية، خصوصاً مع توغل مفهوم الإدارة عن بعد، النظم المعلوماتية التسييرية، وكذلك التجارة والتسويق الإلكتروني. وبذلك، أصبحنا أمام اقتصاد جديد يعتمد على الرقمنة والتكنولوجيا كسبيل للنمو، دونما حاجة إلى بشر مؤهلين ومساهمين في بناء معادلة الإنتاج ومعنيين بنتائجها في التوزيع. وعلى هذا النحو، سيؤدي إحلال الأجهزة والآلات محل العمال إلى تدمير الوظائف ويساهم في تخفيض نفقات الإنتاج والرفع من دخل المؤسسات.
وتاريخياً، لطالما كان لتغيير النمط الاقتصادي وقع على فرص الشغل، فبانتهاء العصر الزراعي والانتقال نحو المنظومة الصناعية، انخفضت الوظائف الزراعية في الولايات المتحدة الأميركية بنسبة 85% وفي بريطانيا بنسبة 70%، وكذلك الحال في الانتقال من النمط الصناعي إلى العصر التكنولوجي، حيث أظهرت تقارير البنك الدولي تراجع وظائف العاملين إلى النصف في أوروبا وبنسب تقارب 65% في أميركا الشمالية. وبذلك، فإن فقدان الوظائف ليس جديداً على الفكر الاقتصادي ولا مرتبطاً بشكل مباشر ورئيسي بالتكنولوجيا، إذ يمكن أن يكون نتاج ظرفية اقتصادية صعبة ناجمة عن حالة عدم استقرار، كالحرب أو أزمة اقتصادية خانقة تؤدي إلى كساد مجتمعي.


اقرأ أيضاً:تكنولوجيا المعلومات: الثورة مستمرة


على العكس من ذلك، تشكل التكنولوجيا قوة دافعة في خلق فرص الشغل وتجعل أسواق العمل أكثر ابتكاراً وشمولية. ويظهر ذلك في جوانب عدة، أهمها ريادة الأعمال التي تزداد بوتيرة سريعة وموازية للتقدم التكنولوجي، فقد أصبح رواد الأعمال قادرين على تحقيق أحلامهم وتنفيذ مشاريعهم عبر برامج معلوماتية أو تطبيقات ذكية، وبفضلها استطاع مارك زوكربيرغ إنشاء "فيسبوك" الذي يوظف 4200 شخص، ودفع ستيف جوبز إلى تأسيس "أبل" التي بلغ عدد العاملين فيها 92600 عامل عام 2014. علاوة على ذلك، ساهم التطور التكنولوجي في خلق فرص الشغل عبر بزوغ أنشطة اقتصادية جديدة كالأقطاب والحاضنات التكنولوجية، المراكز المعلوماتية، مراكز النداء والتواصل، معاهد التعليم الإلكتروني، مؤسسات الأمن الإلكتروني، الحدائق العلمية والتكنولوجية، مواقع التواصل الاجتماعي، مؤسسات تطوير الأنظمة المعلوماتية المتخصصة والمكاتب الاستشارية في الأنشطة الذكية، وغيرها من الأنشطة التي أدت إلى نشوء مهن جديدة تحظى بإقبال واسع من مختلف المؤسسات الاقتصادية والتجارية، كمصممي البرامج المعلوماتية، المبتكرين الإلكترونيين، مديري ذكاء الأعمال، مديري التجمعات الافتراضية، خبراء الأمن المعلوماتي، مبرمجي التطبيقات الذكية.
ومما يلاحظ في هذا الشأن، أن خلق الوظائف المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات يتصل بالزيادة المطردة للربط الشبكي بين الدول عبر الأجهزة المحمولة، تحويل الوثائق والأرشفة الورقية إلى بيانات رقمية مما يسهل العمل عن بعد، ناهيك عن انتشار عولمة المهارات والكفاءات، حيث أصبحت أسواق العمل مفتوحة أمام جميع الأشخاص مهما اختلفت جنسياتهم وثقافتهم، فالمواصفات العالمية تقتضي وجود أشخاص قادرين على الاندماج في فرق العمل.
وإذا كانت التكنولوجيا تهدد وظائف بالاندثار فإنها تخلق، يومياً، فرصاً عديدة للشغل، بل وتطلق قطاعات اقتصادية قابلة للتطور، وهذا ما سماه المفكر الفرنسي، فردريك باستيا، في القرن التاسع عشر بتنقلات الوظائف، حيث يؤكد أن مراحل الانتقال من نسق معرفي وعصر اجتماعي إلى آخر ستؤدي إلى تراجع، وربما انقراض وظائف لتفسح مساحات شاسعة لوظائف أخرى.
(باحث وأكاديمي مغربي)

اقرأ ايضاً:التكنولوجيا وريادة الأعمال

المساهمون