لا تقل لإبنك الـ"يضربك اضربه"

لا تقل لإبنك الـ"يضربك اضربه"

21 اغسطس 2015
لا تطلب من صغيرك حماية نفسه (Getty)
+ الخط -
أريد ـ في بداية حديثي ـ أن أؤكد على معنى محوري قبل أن أستغرق في التفاصيل، وهو: أن "الحماية" هي أحد حقوق الطفل التي يجب أن يلبيها الأب والأم، تماما مثل حقه في الطعام والشراب، وأن فقط أطفال الشوارع هم من يتحملون مسئولية الدفاع عن أنفسهم بأنفسهم لأن ليس لديهم آباء مسئولون عن حمايتهم، كما أؤكد أن التقصير في تلبية هذا الحق ـ حق الحمايةـ لا يقل خطورة عن التقصير في تلبية احتياج الطفل للطعام والشراب. 

حق الحماية
وبتعبير آخر: إن الأم أو الأب الذين يتكاسلون عن التدخل لحماية طفلهما فيطلبون منه أن يحمي نفسه بنفسه هم كمن يطلب من طفله أن يكسب رزقه بنفسه ليوفر غذاءه وشرابه!!.. بل إن نقص الغذاء قد تكون عواقبه جسدية مؤقتة يمكن تعويضها لاحقا، أما نقص الحماية والأمان فقد يصعب علاج آثاره لاحقا.
ومن تلك الآثار: الانعزال وضعف الثقة بالنفس والتأخر الدراسي والاكتئاب، أو أن يتحول الطفل المعتدى عليه نفسه إلى طفل عدواني معتنقا ـ مدى حياته ـ مبدأ "البقاء للأكثر ظلما"! بالإضافة إلى فقدانه الشعور بالأمان، وفقدانه لثقته في والديه اللذين كان يتوقع منهما منحه هذا الأمان، فتتعرض علاقته بهما للنزيف الذي يعرضها للموت.

اقرأ أيضا:كيف تكون أباً ديكتاتوريا جميلا؟

في السن الصغير جدا، قبل أن يستطيع الطفل إدراك المعاني التربوية الأعمق، يتحمل الآباء حماية أبنائهم بنسبة مائة بالمائة. فبمجرد أن يتعرض الإبن للضرب أو الاعتداء تتوجه أمه أو أبوه إلى المدرسة فورا، ليس بنيُّة إعلان الحرب، ولا استخدام وسائل التهديد والتجريح، وإنما بنفسية من يحاول أن يساعد ابنه في مواجهة مشاكله، ويريد أن يتشارك مع المدرسة في حل تلك المشكلة، من أجل مصلحة ابنه، ومصلحة المدرسة أيضا.


الاعتداء والمدرسة
وهنا أَذكر نفسي والجميع أننا لا نذهب للمدرسة بحَكم مسبق وهو: "أن ابني تعرض للإيذاء من طفل عديم التربية"!! ، وإنما نذهب باحثين عن الحقيقة، فقد يكون اعتداء المعتدي مجرد حالة عابرة وليس سلوكا دائما أو خطيرا، فلا دعي عندئذ أن أدمر طفلا آخر بحجة أنني أحمي ابني. وقد يكون ابني نفسه مخطئا بدرجة ما، فهو ليس بالضرورة ملاكًا من السماء. وعندئذ إذا ثبت أنه مخطئ فلا داعي إلى أن أتكبر عن تقويمه، ولا داعي أيضا أن أعايره بأنه جلب لي الإحراج عندما دفعني للشكوى ثم اتضح أنه المخطئ بشكل أو بآخر.

وفي حالة ثبوت الاعتداء ، لابد من أخذ موقف واضح مع إدارة المدرسة، والاستمرار في متابعة الأمر، وأن يتم اتخاذ الموقف المناسب من الطفل المعتدي بدءا من الاعتذار غير المهين، وانتهاء باستدعاء أهله في حالة كون الأمر يستدعي ذلك، ليس فقط لحماية الطفل المعتدى عليه بل وأيضا لتقويم سلوك المعتدي نفسه الذي هو إبننا أيضا، والذي نريد له الخير كما نريد أن نحمي المجتمع من ضرره في الحاضر والمستقبل.

ثم عندما يكبر الطفل ويصل للسادسة أو السابعة حيث يمكنه إدراك المعاني الأعمق، يجب أن يحتوي "برنامجنا" التربوي معه على بعض المفاهيم الهامة. من هذه المفاهيم: التفرقة بين "الدفاع" عن النفس وبين "الاعتداء" عن الآخرين. وأن نرسخ لديه قيمة "الكرامة" الإنسانية، وأن الله تعالى كرم الإنسان فلا يحق لأحد الاعتداء على أحد بدنيا أو لفظيا حفظا لكرامته الإنسانية.

مقولات خاطئة
نعلمه أيضا أن الجملة الشهيرة "إذا ضربك شخص، فقل له الله يسامحك" هي مقولة خاطئة، تماما كما أن مقولة: "من يضربك اضربه" هي أيضا خاطئة. الأولى خاطئة لأن فيها تضييع للحقوق، وخاصة إذا قالها الضعيف للقوي، فهو حينئذ لا يقولها عن قدرة وقوة بل يقولها عن ضعف متستر خلف قناع مزيف من التسامح. والثانية خاطئة لأنها ترسخ قانون الغابة وترد العنف بالعنف. وإنما نعلمه التمييز بين المواقف بعضها البعض، وأنه لا يوجد موقف واحد ثابت في كل السياقات.

• ففي البداية إذا ضربه شخص يكتفي فقط بالدفاع السلبي ورد العدوان عن نفسه، معبرا عن غضبه بقوة ومعطيا للمعتدي فرصة للاعتذار. 
• ثم إذا لم يفلح هذا يلجأ للشكوى ويصعد الأمر لإدارة المدرسة وللأب أو الأم للحكم في الأمر، واسترداد اعتباره.
• وفي النهاية قد لا يجد سبيلا لرد الضرب إلا الدفع البدني الإيجابي في الحدود التي تكفي فقط لحمايته (تماما مثل فنون الدفاع عن النفس، وهي نوع من الدفع الجسدي الموجع، ليس بهدف الضرب ولكن بهدف الدفاع).

ردود الفعل إذن ليست واحدة، تختلف من موقف لموقف، وهي ليست المسامحة في المطلق، وليست العدوان في المطلق. وفي كل الأحوال ليس الهدف منها هو الاعتداء وإنما رد الاعتداء دون زيادة أو نقصان.

اقرأ أيضا:"اضرب تلميذك وكسر عظامه".. هكذا أفضل

وفي كل الأحوال يستحسن أن يتفادى ابنك هذا الطفل العدواني ـ خاصة إذا كان عدوانه سلوكا مستمرا، ويجب أن يبحث لنفسه عن دائرة أخرى من الأصدقاء. وهنا تأتي النقطة الأكثر حساسية، حيث إن أحد الحلول المطروحة هو أن يتترس الطفل بأصحابه ليكونوا مصدرا للحماية لبعضهم البعض. ولكن خطورة هذا الحل هو أن المدرسة حينئذ قد تتحول إلى مجموعة من " الشلل" أو بمعنى أصح مجموعة من "العصابات"، وبدلا من أن يكون الاعتداء فرديا فإنه يتحول إلى "حرب أهلية" بين المجموعات أو العصابات بعضها البعض. لذلك فإن هذا الحل ـ إذا استخدم ـ يجب أن يكون بحذر، ومع التفرقة بين وجود "صحبة طيبة" يشعر الطفل وسطها بالأمان، ويتفادون معا ذلك الطفل العدواني، وبين وجود "عصابة" تؤازره ليعتدي على الآخرين.


استمع لطفلك
وعلى التوازي مع هذا كله يبقى هناك جانبان آخران لا يقلان أهمية وهما:
أولا: الاستماع للطفل دائما، والحرص الدؤوب على القرب منه وفهمه ومعرفة مشاكله وإعطائه الإحساس بالأمان. وأن تكون الأم والأب هما الملجأ الأول للطفل يفر إليهما عند ضعفه، يتواصل معهما ويستشيرهما، ولا يضطر لمواجهة مشاكله مبكرا بمفرده خوفا من عقابهما أو يأسا من تواصلهما معه ودعمهما له. وهذا الاستماع يصحبه الكثير من الحكمة، وتحليل الأمور، وتعديل برنامجنا التربوي وفقا لاحتياج الابن ومشاكله.

ثانيا: غرس الثقة بالنفس في طفلك، فالطفل كلما شعر أنه "ممتلئ" كلما صعب الاعتداء عليه، سواء كان هذا "الامتلاء" من خلال تفوقه الدراسي أو الرياضي أو الفني أو الاجتماعي. هذا الامتلاء يمنحه الشعور الداخلي بالقوة، فتظهر القوة في عينيه للآخرين، فلا يشعرون أنه منكسر هزيل ضعيف. يَقال أن الأسد ينظر في عيني مدربه في حلبة السيرك، فإذا وجد فيها القوة لا يجرؤ على الاعتداء عليه، أما إذا شعر فيهما بالضعف فإنه عندئذ يتجرأ و يهاجمه. وكذلك الإنسان، يبحث عن الضعف في عين أخيه الإنسان فإذا وجد هذا الضعف فإنه يستأسد على أخيه ويهاجمه ليجبر نقصه أو يثبت قوته، وهذا ما لا نتمنى أن يقع أبناؤنا فريسة له.

اقرأ أيضا:أخطاء نفسية في تعليم الأبناء