إدماج الأهل في التعليم.. السهل الممتنع

إدماج الأهل في التعليم.. السهل الممتنع

28 يونيو 2015
كن صاحب القرار في اختيار مستقبلك (Getty)
+ الخط -
في العام 2004، تمكن الشاب "يسري محمد" (34 عاماً) من الحصول على شهادة "التمويل والإدارة المالية"، من إحدى الجامعات الفلسطينية.. وبعد مرور نحو 10 سنوات على تخرجه، يجد نفسه عاملاً بين حقول الزراعة، بعدما فشل في الحصول على وظيفة طالما طمح فيها. 
لم تكن قلة الفرص في الحصول على الوظيفة معيقا أساسيا أمام "يسري"، بقدر ما ساهمت "رؤيته الضيقة في تقييم الفرص المتاحة أمامه في خسرانه أي من هذه الفرص"، كما تحدث لـ "العربي الجديد"، عن تجربته التي تعد مثالا لكثير من الشباب العربي الذي يجد نفسه وحيدا في التفكير بمستقبله العلمي والأكاديمي، ومن ثم ينعكس على مستقبله العملي.

يقول يسري: "بعد الحصول على شهادة الثانوية العامة، أتيحت لي الفرصة بالحصول على منحة لدراسة الطب في إحدى الدول الغربية، وبعد الانتهاء من إجراء كافة الأوراق المطلوبة، تراجعت عن التسجيل لعدم قدرتي على اتخاذ القرار النهائي، ودخلت بعدها في حالة من الارتباك والحيرة لاختيار الجامعة التي سأدرس بها، أو أي تخصص أختار، فكان مجموع تحصيلي في الثانوية هو قدري الذي يوجهني لأي من التخصصات".

لم تتوقف الرؤية الضبابية عند يسري خلال هذه المرحلة فحسب، بل لأزمته حتى أثناء دراسته الجامعية، إذ إنه وبعد التحاقه بكلية العلوم لسنة واحدة، قام بتحويل دراسته إلى كلية الاقتصاد ويتخرج منها في نهاية المطاف، وليعيش حالة من التيه بحثا عن وظيفة في رحلة لا تزال مستمرة رغم مرور 10 سنوات على فصولها، كما يقول.

تجربة "يسري"، جعلتنا نبحث في "دور الأهل وأولياء الأمور" في تطوير الرؤية التعليمية، وقدرة أبنائهم على اختيار تخصصاتهم، إلى جانب التأثير في تطوير الرؤية المنهجية التي تقوم عليها العملية التعليمية بشكل متكامل.
حيث يوضح يسري أنه "بعد هذه التجربة، وجد نفسه ضحية حالة من عدم الوعي تتقاسم العديد من الأطراف مسؤوليتها، فالأهل غير المتعلمين والمدركين مستقبل ابنهم، وغياب التواصل ما بين المؤسسات التعليمية وأولياء الأمور، كما أن هناك حالة من عدم التنسيق ما بين المؤسسات التعليمية وسوق العمل، وحاجة المؤسسات، أضف إلى ذلك مواءمة العديد من البرامج التعليمية لسوق العمل".

ثالوث العلاقة
مخلص سمارة، المدرب في التنمية البشرية، والمدرس في إحدى المدارس الحكومية الفلسطينية، يرى أن العملية التعليمية تتكون من "ثلاثة أضلاع يمكن أن تلتقي معا لتشكيل قاعدة رئيسية تنطلق منها العملية التعليمية في بعدها واستراتيجيتها".

ويوضح سمارة لـ "العربي الجديد"، أن هذا الثالوث يتمثل في الأهل، فالبيت والأسرة يلعبان دورا مهما في العملية التعليمية تبدأ من تربية الطفل على الوعي والإدراك، وتستمر على مدار مسيرته التعليمية من حيث المتابعة والاستشارة، كما أنها يجب أن تكون عنصرا فاعلا في مراقبة المناهج المطروحة، ومناقشتها بأساليب مختلفة".

أما الضلع الثاني، فيتشكل كما يراه سمارة من "المجتمع ممثلا بمؤسساته والثقافة التي يوجدها في فهم العملية التعليمية والتعاطي معها، فإن كان هناك وعي مجتمعي، فإن هذا الوعي سيترتب عليه إدراك لتطوير المناهج، أو على الأقل خلق حالة تكاملية فيما تغفله المناهج من خلال التعليم المساند وورش العمل".
ويرى سمارة، أن المكون الثالث يرتكز على "المؤسسات التعليمية ذاتها، انطلاقا من المدرسة فالوزارة وراسمو الاستراتيجيات التعليمية، وعليهم يقع العاتق في اختيار الرؤى والخطط التي يجب أن تكون انعكاسا لرؤية المستقبل".

"زمان غير زمانكم"
الدكتور عيسى خليل الحسنات، أستاذ المناهج وأساليب التدريس بالجامعة العربية المفتوحة – فرع الأردن، يحاول بدوره تشخيص تأثير رؤية أولياء الأمور تجاه تهيئة أبنائهم لميدان التعليم، بالقول: "قد تؤثر رؤية الأهل في اختيار التخصصات عند الأبناء إن أدركوا القول (ربوا أبناءكم لزمان غير زمانكم) إيجابا".

ويرى الحسنات، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أنه في المقابل إن كان "الأهل يقبعون في فكر وثقافة المجتمع التقليدي من خلال تفضيل تخصصات معينة، فإن هذا الأثر سيكون سلبًا، وبالتالي حتى يكون ولي الأمر قادرًا على بناء رؤية صحيحة يفترض به أن يكون على اطلاع بقدرات وميول الأبناء بشكل دقيق. فبناء على هذه المعلومات ستكون الرؤية أكثر وضوحًا".
وحول كيفية مساعدة أولياء الأمور على الخروج من عقلية اختيار التخصص لدى أبنائهم، وإحداث حالة من الوعي، يقول الحسنات إن هناك حاجة لأولياء الأمور أن "يحرروا أنفسهم من عقد المجتمع، والنظر لمصلحة الابن، فكم من طبيب فشل، لأنه لا يهوى الطب، وأبدع في مجالات أخرى، وكم من حرفي بسيط أحب عمله وأبدع، ووصل إلى أعلى الدرجات، ونال شهرة واسعة، وتنقل بين الدول في حرفته هذه".

والمبدأ الثاني الذي من شأنه أن يحقق حالة الوعي التكاملية ما بين الابن وولي أمر، وفقا لما يراها الحسنات، فهي تتمثل في "احترام حق الابن في الاختيار، مع تقديم الداعمات المعلوماتية حول التخصص، والبيانات المستقبلية له".
فيما يأتي المبدأ الثالث، ضمن حالة "التطوير والنمو الطبيعي الملازم للابن منذ طفولته، إذ إن المطلوب هو تربية الأبناء منذ نعومة أظافرهم على حسن اتخاذ القرارات، وتحمل المسؤولية".

عقبات وصعاب
وعن طبيعة العقبات التي يمكن أن تحول دون حالة إدماج المجتمع وبصورة خاصة أولياء الأمور في العملية التعليمية، يقول الدكتور فريد أبو ضهير، أستاذ الإعلام في جامعة النجاح بالضفة الغربية، إن هذا الأمر نابع من أمرين؛ الأول "رؤية وتخطيط واستراتيجية تتضمن هذه المسألة. فإذا لم تتوفر الرؤية والقناعة لدى القائمين على العملية التعليمية بأهمية إدماج المجتمع، فلن يحدث هناك تقدم ولو خطوة واحدة في هذا الاتجاه".


والأمر الثاني، وفقا لما يوضحه أبو ضهير لـ "العربي الجديد" فيتمثل في "توفر الكوادر وميزانيات لتطبيق هذا المنحى في العملية التعليمية، وتفعيله لكي يحقق الأهداف المرجوة منه".
ويشير أبو ضهير إلى أنه في كلتا الحالتين "يتطلب وضع الخطط، وتوفير الأموال اللازمة لمتابعة هذه المسألة، وهو ما يمكن أن يُعد عبئا على ميزانية التربية والتعليم، وبالتالي، قد يُعد هذا الأمر من الأمور الثانوية في استراتيجية التربية والتعليم على المستوى العربي".

ويرى أبو ضهير، "أن هناك مشكلة في الذهنية التي تحكم العملية التعليمية في العالم العربي عموما وفلسطين. فرغم وجود كفاءات عالية، ورغم العمل الدؤوب لتطوير العملية التعليمية، إلا أن التغيير والتطوير عملية صعبة ومعقدة على طواقم لم تألف التغيير".
كما أن الأمر، وفقا لأبو ضهير، يمتد إلى "رؤية الأنظمة التي تحكم القائمين على هذه العملية، وربما شروط الممولين للعملية التعليمية، وربما عدم الرغبة في التغيير لدى الناس الموجودين على رأس الهرم السياسي، وربما الخوف من ردود فعل المجتمع، وربما أيضا عدم القدرة على إحداث هذه الخطوة النوعية، سواء من حيث توفير الكوادر، أو من حيث توفير الميزانيات والأموال اللازمة لتحويل الفكرة إلى واقع".

النموذج غير المكتمل
"مجلس أولياء الأمور"، أو "مجلس الآباء".. نموذج فلسطيني يتمثل في تشكيل مجلس يضم في عضويته قرابة 13 فرداً 3 منهم من الهيئة التدريسية، والباقي ينتخبون من أولياء أمور الطلبة في كل مدرسة من المدارس الفلسطينية الحكومية والخاصة.
يتحدث الأستاذ طلب ذوقان، مدير المدرسة الإسلامية الثانوية (خاصة) بالضفة الغربية، عن هذه التجربة التي تعتمدها وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بالمدراس، واصفا إياها بـ "النموذج غير المكتمل".

ويوضح ذوقان لـ "العربي الجديد" أن مجلس أولياء الأمور نظام معمول به بقرار من وزارة التربية والتعليم، وفي مطلع كل عام دراسي تقوم الوزارة بطلب تشكيله في المدارس، وهو خطوة من شأنها أن تقرب أولياء الأمور إلى جو البيئة التعليمية لأبنائهم.
إلا أن هذه الخطوة، كما يرى ذوقان، تختلف في آلية تطبيقها ما بين المدارس الحكومية والمدارس الخاصة، كذلك تختلف فاعليتها ما بين المدارس الموجودة في القرى حيث الروابط الاجتماعية القوية، وما بين المدن وانشغال الآباء بأعمالهم، وهذا ينعكس على طبيعة التجاوب وشكله من قبل أولياء الأمور.

وعن طبيعة دور هذه المجالس، يوضح ذوقان أنها حتى الآن ترتكز في النشاطات اللامنهجية، وفي توفير الأدوات المساعدة للتعليم التي في غالبها لا تستطيع الوزارة توفيره، أو يتطلب ميزانيات إضافية، وهنا يحسب لأولياء الأمور الخطوات الإيجابية فيما يقدمونه على هذا الصعيد.
هذا الدور، الذي لا يزال في خطواته الأولية، يطالب ذوقان بضرورة توسيعه وتفعيله بالشكل الذي يمكن أن يمنح أولياء الأمور دورا فعالا والاقتراب أكثر من العملية التعليمية، وفقا لرؤية يمكن تبنيها بحيث لا تخل بالعملية التعليمية أو السياسات التعليمية المتبعة.

دور الأهل
وفي سبيل تحقيق مزيد من الفعالية في دور أولياء الأمور بالعملية التعليمية، يوضح الدكتور فريد أبو ضهير، أن "غياب دور الأهل في العملية التعليمية بالطبع له تأثير سلبي. فالعملية التعليمية ليست مجرد تلقين معلومات، وإنما هي عملية متكاملة، تربط التعليم بالمجتمع، والمدرسة في المنزل، والنظرية بالتطبيق".
ويضيف بالقول "الوالدان يلعبان دورا مهما في العملية التعليمية، سواء من حيث تدريس الأولاد، أو توضيح المفاهيم، أو تحويل المفاهيم إلى واقع بالنسبة للطفل. وهذا يفرض ضرورة وجود تناغم وتجانس بين المدرسة والمنزل، وتواصل واتصال بين المدرس والأبوين والأسرة بشكل عام".

اقرأ أيضا:
هل ينجح أولياء أمور مصر في تمردهم؟

ولتحقيق ذلك، يطرح الدكتور عيسى الحسنات بعضا من الآليات التي يمكن من خلالها إحداث حالة التكامل لتشكل استراتيجية مستقبلية، حيث يرى أنه من الضرورة "إشراك العناصر الأساسية (الأهل، المجتمع، المؤسسات التعليمية) في التخطيط التربوي للمناهج".
كما أن ذلك يتطلب، وفقا للدكتور الحسنات، "تحديد حاجات المجتمع التربوي كل فترة، وتعديل البرامج التعليمية وفق هذه الاحتياجات، إلى جانب اعتماد المدارس الشاملة في التعليم، والتي يتعرض فيها الطالب إلى أنماط التعليم الأكاديمي، والمهني، فيستطيع الطالب الاختيار مستقبلا بشكل أسهل".
كما أنه يرى أهمية إشراك من يمتلكون "القدرة على تحديد فلسفة التربية"، من أصحاب التخصص والمعرفة، بهدف إجراء عملية تطوير مستمرة للسياسات التعليمية.

كيفية التفعيل
وحول كيفية تفعيل دور أولياء الأمور في عملية نقد وتطوير وتغيير المناهج التعليمية، يرى أحمد التلاوي، الباحث المصري في شؤون التنمية السياسية والاجتماعية، أن هناك أساسا قائما وموجودا؛ وهو أن نسبة من أولياء الأمور أنهت مراحل تعليمية متقدمة، ومن حاملي الشهادات الجامعية ومنهم ما هو متخصص في مجال التربية والتعليم، وهذا من شأنه أن يشكل خطوة متقدمة في فهم أولياء الأمور للعملية التعليمية.

ويتابع لـ "العربي الجديد"، بالقول: "توفر هذا الأساس يمكن أن يشكل لبنة أساسية من خلال البناء عليها عبر تشكل لجان، أو إقامة ورش عمل يكون الآباء أحد عناصرها، فيما تتشكل العناصر الأخرى من مؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات التشريعية التي يمكن أن تدفع بإصدار قوانين تهدف إلى تطوير العملية التعليمية والمناهج".
وحول وسائل الضغط التي يمكن أن تمارس على الجهات المعنية في صياغة المناهج، يشير التلاوي إلى أن هناك عدة وسائل، من بينها تنظيم الفعاليات العامة التي يمكن أن يتم دمج الإعلام بشكل عام فيها، لخلق عنصر ضغط على الجهات الحكومية، إلى جانب الدعم القانوني والسياسي من قبل مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات التشريعية المشاركة.

اقرأ أيضا:
غش وتسريبات.. صوت الثورة الكامن في الطلاب
جامعات المغرب العربي.. نمطية تعليم وتخريج عاطلين
الخطوط العريضة لأيام امتحانات سعيدة
كابوس الثانوية العامة.. وداعا

المساهمون