فقراء الأردن لا يستفيدون من النمو ولا تشملهم التنمية

فقراء الأردن لا يستفيدون من النمو ولا تشملهم التنمية

10 اغسطس 2016
الأسعار تشهد ارتفاعاً كبيراً في الأردن(خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -
يحتاج أحمد، وهو موظف حكومي في قطاع الخدمات الأردني، إلى جرعة تفاؤل قوية، كي تتحسن نظرته إلى اقتصاد بلاده، بعدما تراجع مستوى معيشته، كما يقول، وازدادت الاقتطاعات على مرتبه، الذي لم يكن أصلاً يكفي لسد حاجات أسرته المؤلفة من زوجة وثلاثة أطفال، أكبرهم في التاسعة من عمره. 

ويبرّر تشاؤمه هذا، بقوله إن كل الوعود التي قدمتها الحكومات المتعاقبة للناس، كانت مجرد حبوب مهدئة. ويشرح أحمد أنه قبل عشر سنوات استطاع، بمساعدة مادية من والديه، أن يتزوج، ويؤسس أسرة صغيرة، وأعانته هذه المساعدة، إلى جانب مرتبه الذي تدرج من 350 ديناراً إلى 500 دينار مع العلاوات السنوية، على شراء أثاث منزله، وتأمين أساسياته، على نحو بسيط ومقبول. لكنه اليوم يفتقر إلى الرضا عن مستواه المعيشي، لأنه لم يستفد من مستويات النمو الاقتصادي التي تتحدث عنها الأرقام الحكومية، باعتبارها غير دقيقة.
ويتابع: "أعتقد أن فئة واحدة هي من تقطف ثمار النمو، وهي الشريحة الأعلى دخلاً، بدليل زيادة أعداد الأغنياء في المجتمع 8.1 في المائة، مقابل ارتفاع نسبة الطبقة الهشة أو الطبقة
الضعيفة 60 في المائة، وتناقص حجم الطبقة المتوسطة لمصلحة الطبقة الأدنى بشكل واضح".

منذ ستة أعوام تقريباً حل الأردن في المرتبة 80 / 104 على مؤشر الرخاء العالمي، والمرتبة 4 على المستوى العربي، متأخراً عن الإمارات والكويت وتونس، ومتقدماً على السعودية والمغرب ولبنان ومصر والجزائر.

ويعتمد مؤشر درجة الرخاء على الإمكانات الاقتصادية ومستويات البنية التحتية والتعليم والصحّة والتآزر الاجتماعي والسعادة الشخصية وجودة الحياة للأفراد. وفي الفترة ذاتها، بلغ معدل النمو حسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة 5.5 في المائة، فيما بلغت نسبة الفقر بين عامي 2008 -2010 نحو 14.4 في المائة".

ويرى الخبير الاقتصادي محمد ملكاوي لـ "العربي الجديد" أنه بالنظر إلى العوامل الأساسية التي تسهم في تحريك النمو الاقتصادي والرفاهية الشخصية والرضا عن الحياة، وبدلاً من أن يتقدم الأردن على هذه الصعد، ويخفض مستويات الفقر، تراجع في عام 2015 إلى المركز 88 عالمياً على جدول مؤشر الرخاء، وازدادت نسبة الفقر عن الأرقام الحكومية المتوقعة، فيما تراجعت نسبة النمو تدريجياً إلى أن أصبحت بحدود 2.4 في المائة.
ويخلص ملكاوي إلى أن ذلك يدل على أنه لم يطرأ أي تحسن على أوضاع المواطنين المعيشية، الذين لم يستفيدوا من الخطط التنموية التي جرى العمل بها خلال السنوات الخمس أو الست التي مضت، وهذا بدوره أدى إلى تفاقم مشكلات المجتمع الأردني على أكثر من صعيد.

ويؤكد البنك الدولي، في هذا السياق تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في المملكة في عام 2015 إلى 2.4 في المائة وهو أبطأ وتيرة له منذ أربع سنوات، مشيراً إلى أن التداعيات الأمنية غير المباشرة للصراعات في المنطقة، أثرت سلباً على قطاعات السياحة والإنشاءات والاستثمارات والتجارة.

ويلفت البنك في تقرير مرصده لربيع 2016 إلى أن هذا التراجع رفع معدل البطالة إلى 13 في المائة في عام 2015، مسجلاً زيادة قدرها 1.1 نقطة مئوية عن مستواه في عام 2014، فضلاً عن انكماش طفيف بسبب استمرار تراجع أسعار النفط العالمية، وضعف اليورو، وفجوة الإنتاج السلبية، وانحسار ضغوط العرض التي ظهرت في السنوات السابقة، ولاسيما على أسعار المساكن نتيجة تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين في عامي 2012 – 2013.

لا ينفي الخبير الاقتصادي سعيد عبيدات أثر تداعيات الصراع السياسي الذي تعيشه المنطقة
على اقتصاد الأردن، خصوصاً أن تجارته الخارجية تضررت كثيراً بسبب إغلاق المعابر الحدودية مع سورية والعراق.
إلا أنه يؤكد وجود خلل في هيكلية الاقتصاد الأردني، بسبب تركيز الخطط على جوانب وإغفالها جوانب أكثر أهمية، أضاعت كثيراً من عوائد القيمة المضافة، التي كان من المتوقع أن تسهم في تعزيز البعد التنموي للاستثمار بشقيه المحلي والأجنبي، وأن تحسّن من عوائد التنمية على المواطنين بشكل عام.

ويقول لـ "العربي الجديد" "إن رضا الفرد على حياته، وتمتعه بالسعادة ضمن حالة من الرخاء، يحتاج في الواقع إلى توافر عوامل أساسية، قد لا ترتبط أحياناً بالشأن الاقتصادي بقدر ارتباطها بالشأن العام للبلد، كتوافر الأمن والأمان والدعم الاجتماعي ودعم الحريات الشخصية والعمل الخيري ومدركات الفساد...".

ويشير إلى أن الأردن لا يزال في حاجة إلى دور الدولة الراعية لمواطنيها، بعدما تخلت عنه، بحكم النهج الاقتصادي الذي اتبعته مع بداية اعتماد سياسة الخصخصة قبل عقدين تقريباً، مضيفاً أن الأضرار التي لحقت بمختلف الطبقات، باستثناء الطبقة الغنية، أدت إلى إضعافها، وبالتالي زيادة أعداد الفقراء في البلد.

ويرد الخبير الاقتصادي كمال الرفاعي هذا التراجع في النمو والتنمية إلى ازدياد الضغط الاقتصادي وتوسع الفقر، وكذلك إلى الضغط الديمغرافي، بالإضافة إلى التنمية الاقتصادية غير المتكافئة، وازدياد العجز المالي.
ويشير لـ"العربي الجديد" إلى أن الموازنة العامة للدولة قد شهدت عجزاً مالياً في الثلث الأول من هذا العام، بلغ 22.1 مليون دينار، مقارنة بوفر مالي بلغ نحو 164.7 مليون دينار في الفترة ذاتها من العام الماضي، كما بلغ إجمالي الدين العام الداخلي والخارجي في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام نسبة إلى الناتج المحلي 93.7 في المائة في مقابل 93.4 في المائة في نهاية عام 2015.

كما ارتفع عجز الميزان التجاري خلال الأشهر الأولى من العام الحالي بمقدار 293.1 مليون دينار، أي بنسبة 10.3 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2015. ويختم بالقول إن من شأن العجز المالي للدولة أن يقوض أحلام مواطنيها وتطلعاتهم، لأنه يصادر كل أسباب الرخاء والسعادة والرضا، و"يفرمل" عجلات التنمية.

المساهمون