إفقار ممنهج لمناطق لبنانية وتأهيلها للعسكرة

إفقار ممنهج لمناطق لبنانية وتأهيلها للعسكرة

22 يوليو 2015
في طرابلس حيث الاشتباكات تتجدد كل فترة(جوزف عيد/فرانس برس)
+ الخط -
فقر، بطالة، جهل، عقائد، أدلجة، طائفية، غياب مقومات الحياة، فشل الدولة، التعبئة المذهبية، وغيرها من الأسباب التي تعسكر الشباب اللبناني وتدفعهم نحو خيار حمل السلاح. ففي الجنوب اللبناني ومنطقة البقاع وطرابلس (شمال لبنان) وغيرها من المناطق التي تعتبر خزاناً للعناصر المسلحة، تغيب المصانع والتنمية الزراعية والمنشآت الاقتصادية، وذلك على الرغم من تواجد الأحزاب المسلحة بغالبيتها ممثلة أو كانت ممثلة في السلطة، وبيدها قرار تنمية اقتصادات المناطق من عدمه، ما يطرح الكثير من التساؤلات عن آلية ممنهجة لإفقار الناس تمهيداً لعسكرتهم.

تختلف حالات المسلحين بين حزب وآخر، بين المنظم والعشوائي، بين من يأخذ راتباً ثابتاً وآخر يتقاضى "على المعركة"، بين الذي يحمل السلاح من أجل المدخول المالي وبين العقائدي. ففي "سرايا المقاومة" (تشكيل عسكري تابع لحزب الله)، يقول عباس الذي انتسب إليها أخيراً لـ "العربي الجديد": "ضبونا الشباب، كنت بلا عمل والآن أتقاضى راتباً مقبولاً". عباس يحصل على 600 دولار شهرياً مقابل حمله للسلاح. هو أعزب ويبلغ من العمر أربعة وعشرون عاماً، يشرح أنه لم يكمل دراسته بسبب تكاليف التنقل من قريته نحو مهنية النبطية الرسمية، بقي عاطلاً عن العمل سنتين حتی دعاه أحد أصدقائه للانتماء إلى السرايا.

إلى متى تستمر في العمل مع السرايا؟ يجيب عباس بكلمتين: "حين يتحسن الوضع". إذا لجأ عباس إلى السلاح كمصدر دخل، فذلك لا يعني أن عدداً كبيراً من حاملي السلاح في لبنان المنضوين في حزب الله وغيره، ليس لديهم دوافع أخرى للالتحاق بالمليشيات.

في الشمال اللبناني، تقبع المناطق الأكثر حرماناً، هنا التفرغ للعمل المسلح غير مطلوب. يقول جابر البالغ من العمر ثلاثين عاماً عن الموضوع بألم وغضب. إذ يعترف أن حياته ضاعت من عام 2006 حتی الجولة الحادية والعشرين من الاشتباكات التي شارك فيها في منطقة طرابلس. ويلفت ابن طرابلس إلى أنه كان يتقاضى 67 دولاراً شهرياً، "وفي المقابل يأخذ الكبار الآلاف من الدولارات"، وهنا يقصد بالكبار قادة المحاور وأصحاب النفوذ في المنطقة.

اقرأ أيضا: لبنان الفوضى... أرض خصبة لتجارة السلاح

جابر وأصدقاؤه، عاطلون عن العمل، على الرغم من أن منطقتهم تضم عدداً من أصحاب الملايين والمليارات الذين شاركوا في الحكومات والبرلمانات المتعاقبة. يشرح جابر"إني، في الفترة الأخيرة، بعت سلاحي والرصاص بحوالي 1200 دولار، لتأمين مصاريفي، على أمل أن أحصل على أسلحة أخرى أستفيد منها حين أحتاج للمال".

يقول رئيس جمعية حركة السلام الدائم، فادي أبو علام، لـ "العربي الجديد" "إن عوامل عديدة تدفع الشباب اللبناني نحو التسلح، منها ثقافة العنف والتعبئة المذهبية وسقوط هيبة الدولة وحب السلاح والكراهية وغيرها، ولكن يبقی العامل الاقتصادي أساسياً في هذا الموضوع".

والإفادة لا تتوقف عند الرواتب، في رأي أبو علام، فهناك منافع عديدة يستفيد منها حامل السلاح تبدأ من قطعة السلاح نفسها يفرض من خلالها ما يريد بالقوة، فيبدأ منطق التشبيح بين الفقراء أنفسهم ليتحول حامل السلاح إلى مجرم يسعی إلى فرض "خوة" علی المحال في المناطق الفقيرة وغيرها من الأساليب التي تجعل من وجوده خطراً علی مجتمعه وبيئته ...
ويضيف "بعض المجموعات المسلحة يركز علی من هم بين الـ 15 و18 عاماً لاندفاعهم وحبهم حملَ السلاح، وهذه الأعمار لا تكلف كثيراً، تكفي الشاب بندقية والقليل من النقود لينفذ كل ما يطلب منه.

أما الحلول لهذه الأزمة، وفق أبو علام، تبدأ بتصديق البرلمان اللبناني، علی البروتكول الاختياري العالق داخل مجلس النواب منذ عام 2002، والمتعلق بمنع إشراك الأطفال بالنزاعات المسلحة. ويضيف أبو علام، أن الوطن يحتاج لِكثير من المبادرات الإنقاذية، لأن الأمور وصلت حدوداً غير مقبولة على كافة المستويات، واستمرارها بهذا المنحى قد يؤدي إلى كارثة اجتماعية وأمنية فعلية.

المساهمون