الغاز الصخري في أميركا: إلى أين؟

الغاز الصخري في أميركا: إلى أين؟

28 ديسمبر 2015
النفط الصخري في الولايات المتحدة (أرجي سانغوستي/ Getty)
+ الخط -
شهدت الولايات المتحدة الأميركية خلال العقد الأخير نقلة نوعيّة على صعيد إنتاج الغاز، من خلال بروز تقنيّة الغاز الصخري أو الـ "Shale Gas" في أواخر القرن الماضي (1998) لأول مرّة في ولاية تكساس، وبعد أعوام من الأبحاث، وما لبثت أن تطوّرت بشكل متسارع لتشمل ولايات عدّة، وليرتفع الإنتاج من 10 مليارات متر مكعب في العام 1998 إلى ما يزيد عن 150 مليارا في العام 2011.
ونعني بالغاز الصخري "الغاز الطبيعي المكوّن في جزئيّات صغيرة من الصخور الرسوبيّة لم يكن من الممكن الوصول إليها، إلّا بعد تطوّر تكنولوجي جمع بين الحفر الأفقي (Horizontal Drilling) والتحطيم الهيدروليكي للصّخور (Hydraulic Fracturing)، وسمح، برغم كلفتها الباهظة، بإنتاج كميّات كبيرة من الغاز كانت تفتقر سابقاً للجدوى الاقتصاديّة". وقد خلقت هذه التقنيّة، وبحسب المنتدى الاقتصادي العالمي، حوالي 37 ألف فرصة عمل مباشرة في الشركات العاملة في هذا المجال حتى العام 2011، وحوالي 111 ألف وظيفة غير مباشر، كما ساهمت برفع احتياطي الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي بنسبة 35 %.

الكلفة العالية

ولكن مع الانخفاض المفاجئ لأسعار البترول، ووصوله إلى أدنى معدّلاته منذ العام 2009، بدأت معاناة هذا القطاع والشركات العاملة فيه، نظراً للكلفة العالية المترتبة على عمليّات الاستخراج؛ والتي يقدّر أنّها تحتاج إلى سعر يتراوح بين 65 إلى 70 دولارا للبرميل الواحد ليكون الاستثمار فيها مجدياً. أمّا وقد لامس سعر البرميل الخمسين دولاراً، فقد اضطرت الشركات إلى خفض إنتاجها بنحو 400 ألف برميل يوميّاً مقارنة مع العام الماضي، وهي تدرس جديّاً إمكانية خفض الآبار العاملة برّاً بنسبة 50 %، إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه حاليّاً. إشارة إلى أنّه ومنذ بداية الأزمة، تركت شركات الاستخراج والإنتاج حوالي 914 بئراً قد تم حفرهم، ولكن لم يتمّ استثمار الثروات التي تختزنها، هذه العوامل أدت إلى تريّث الشركات الكبرى، وعدم المضيّ قدماً في أعمالها الإنتاجية وتخبّط شركات الغاز الصخريّ الصغيرة والمتوسّطة الحجم، وإقفال بعضها خلال العام المنصرم واتجاه البعض الآخر إلى الدّمج لتخفيض التكاليف، والحدّ من النفقات، من أجل تدارك الانحدار الحاصل جرّاء تآكل رأس المال، والدّيون المتراكمة والحاجة إلى إعادة جدولتها الفائدة المفروضة. من هنا يبرز السؤال عن مستقبل هذه التقنيّة وأفق تطورّها في السنوات القليلة المقبلة؟
يذهب البعض بعيداً في تصوّره للمرحلة القادمة، فيشير الخبراء إلى أنّه، وبعد قرار منظمة الدول المصدّرة للنفط "الأوبك" في الرّابع من الشهر الحالي بإبقاء سقف إنتاجها على ما هو عليه، كمؤشر على إصرارها في دفع المنتجين ذوي الكلفة العالية إلى الترّاجع خلفاً، من الصعب توقّع ارتفاع ملحوظ في سعر البرميل. في هذا الإطار، يشير خبراء في هيئة إدارة معلومات الطاقة الأميركية، أبرزهم المدير السابق للهيئة "نوبويو تاناكا" إلى أنّ الأسعار لن تلامس المائة دولاراً للبرميل مجدداً بهذه السهولة، وأن ذلك لن يحصل قبل العام 2020 أو 2025 حيث سينخفض إنتاج الغاز الصّخري الأميركي، ممّا ينعكس ارتفاعاً في الأسعار عندها. ويقول تاناكا "إنّ الطلب على النفط في الصّين، الهند، دول آسيا الشرقية وأفريقيا سيشكّل على المدى البعيد الحافز الذي سيدفع الأسعار العالميّة للارتفاع". أمّا عن الهوّة الحاليّة بين العرض والطلب، فيُتوقّع أن تستمرّ مع بداية العام الجديد، وقد ترتفع الأسعار قليلاً في النّصف الثّاني من العام دون تغيير جذري.
من هنا، وعلى الرّغم من المصاعب التي يعيشها اليوم، يبدو أن الإنتاج الصّخري سيكون عامل الاستقرار الجديد، فكما كانت دول "الأوبك" تسيطر سابقاً على الأسعار من خلال الإنتاج، وقررت العزوف عن هذا الدّور، فرض الاصطفاف والديناميكيّة المستجدّة في الأسواق العالمية، أن يلعب النفط والغاز الصّخريان دور عامل الاستقرار للسنوات المقبلة ويتحكّم بدوره بالسّوق النفطية.
(متخصص بالهندسة النفطية)

اقرأ أيضاً:أميركا تتجه لتصدير النفط

المساهمون