القصة القصيرة والانتباه الغائب

القصة القصيرة والانتباه الغائب

22 سبتمبر 2015
لوحة للفنان القطري سلمان المالك
+ الخط -
اختار ملتقى الشارقة للسرد، في دورته الثانية عشرة التي انتظمت في سبتمبر/أيلول الجاري، القصة القصيرة محوراً له، وهو ملتقى ينتظم دورياً، تعددت موضوعات مواسمه السابقة، وكانت القصة القصيرة منها، وإذ يتجدّد التفاته إليها، هذا العام، فربما يعود ذلك إلى شعورٍ صار شائعاً أن هذا الجنس الأدبي بات، عربياً، يتعرّض إلى بعض الإهمال، بدعوى رواج مقروئية الرواية التي تتنوع جوائزها، المجزية، في غير عاصمةٍ عربية، ولا تتوقف الملتقيات والمؤتمرات بصددها. وقد صار ظاهراً، في هذه الغضون، توجه الشعراء وكتّاب النقد الأدبي، بل وأهل العلوم السياسية والاجتماع والدرس التاريخي أيضاً، الكثيف إلى كتابة الرواية. أما ناس القصة القصيرة، فقد بات ملحوظاً أن عديدين منهم انصرفوا إلى الرواية، إحساساً من بعضهم أن الموضة تستدعي ذلك، وصدوراً من آخرين أن القصة لا تفي بما يودون التعبير عنه، وهذا كلام يراه كاتب هذا السطور في غير موضعه، ووجاهته منقوصة. ويجدر هنا التنويه إلى أن كتاباً للقصة القصيرة يرابطون على وفائهم لها، من دون أن تمسّهم غواية الرواية، زكريا تامر وسعيد الكفراوي ويوسف الشاروني، أمثلة.
لم يكن هذا الأمر من شواغل الأوراق التي استمعنا إليها في ملتقى الشارقة، وإن جاء عليه بعضنا في محاوراتٍ عابرة. ومن مصادفات دالة أن تخصيص الملتقى للقصة القصيرة جاء فيما جددت أمانة عمّان، في مايو/أيار الماضي، انتظام ملتقاها للقصة القصيرة الذي كان قد توقف بعد ثلاث دورات مهمة له، فأعادته، وانعقد بمشاركةٍ محلية (أردنية) وعربية محمودة، كما أن التظاهرتيْن يتسقان مع تخصيص مجلة (الجديد) الناهضة عددها الخامس في يونيو/حزيران الماضي للقصة القصيرة العربية الراهنة، فتضمنت ملفاً شاملاً إلى حد كبير، طالعنا فيه نصوصاً قصصية وفيرة، تيسّر إطلالةً على الجديد من النتاج العربي في القصة. وفيما نعلم، فإن المجلس الأعلى للثقافة في مصر على وفائه بتعهدّه إيّاه، تنظيم مؤتمر القصة القصيرة العربية دورياً، وكان الأول منه قد عقد في 2009، ومنح فيه زكريا تامر جائزة عربيةً مستحقة، ولم ينعقد التالي بعد.

اقرأ أيضاً: ثلاثُ سلاحف

يجوز الزعم، إذن، أن جهداً خاصاً يبقى مطلوباً من أجل حماية موقع القصة القصيرة في المشهد الأدبي الراهن، وفي البال أن منجزاتٍ رفيعةً ومهمة يبدعها كتابٌ شبّانٌ وجدد فيها، في غير بلد عربي، وإن إضاءات نقدية وصحفية عليها تبدو شديدة الإلحاح، أقله من أجل ألّا يتعزّز الانطباع غير الدقيق على الأغلب، أن الرواية ديوان العرب الآن، وإذا صح هذا، فإن هذا الديوان معطوب، فالوفرة الكثيرة الماثلة في إنتاج الرواية لا تعكس، بالضرورة، منجزاتٍ طيبةً على صعيد الإبداع نفسه، شكلاً وتجريباً ومضموناً وبناءً ومعماراً. أما بشأن القصة القصيرة فإن كسل الصحافة الثقافية العربية، متوازياً مع قصور الجهد النقدي العربي الجدّي، لا يُيسّران قولاً شافياً في الموضوع، أو اجتهاداً يحيط بالمسألة ويقاربها بمقادير وازنةٍ من الموضوعية والصدقية.
لسنا وحدنا، نحن العرب، ما نشهد حالةً من "الأزمة" في الاهتمام بالقصة القصيرة وكتابتها ومقروئيتها، فلعل هذا ما يجعل القائمين على "المؤتمر الدولي للقصة القصيرة" على حرص بالغ في انتظامه، منذ بدأ في 1988، في باريس، وقد عقد الثالث عشر منه، أخيراً، في فيينا، وسبق استضافته في مدن في إسبانيا والبرتغال وإيرلندا وكندا، وتستضيفه شنغهاي في يونيو/حزيران المقبل. وفضلاً عن ورش عمل وقراءات وطاولات مستديرة وندوات تنشط في المؤتمر، فإنه يستضيف شباباً واعدين يكتبون القصة، مع مخضرمين من كتّابها. والبادي أن الملتقيات والمؤتمرات التي تعتني بهذا اللون الأدبي، وتقام في عواصم ومدن عربية، ما زالت نخبوية إلى حد كبير، تغلب عليها الأكاديمية المدرسية. وكم كان مهماً في ملتقى الشارقة لو أنه شهد قراءات قصصية، لكتّاب مكرسين وآخرين ناشئين وواعدين. ولا تقلل هذه الملاحظة من قيمة الجهد الطيّب الذي توفرت عليه أوراق بحثية ونقدية جدية ومنهجية وتحليلية، استمعنا إلى اجتهاداتها وتصوراتها وتحليلاتها في الملتقى، للمغربية زهور كرام وللفلسطيني يوسف حطيني وللجزائري السعيد بوطاجين وللسوري عزت عمر وللمصرية اعتدال عثمان وللعراقيين محمد صابر عبيد وصالح هويدي وغيرهم. أضاءت مطالعاتهم جيدا على ظواهر ومفاهيم وتجارب، وقبل ذلك كله وبعده، يسّرت سانحةً محمودةً للاحتفاء بجنس القصة القصيرة... المغبون.

المساهمون