فرانسواز جيلو: كتاب جديد لـ ملهمة بيكاسو

فرانسواز جيلو: كتاب جديد لـ ملهمة بيكاسو

14 ديسمبر 2015
غلاف الكتاب(Getty)
+ الخط -
بأناقة فنّانة وظهر مستقيم، جلست الفرنسية فرانسواز جيلو، مواليد 1921، على أحد الكراسي العالية إلى جانب الروائية والكاتبة الأميركية ليزا ألثر في إحدى قاعات المعهد الفرنسي في نيويورك التي اكتظت بالحضور، الذي جاء للاستماع لهما بمناسبة إصدار كتابهما المشترك بالإنجليزية "عن النساء: محادثة بين كاتبة ورسامة" عن دار نشر "دابل ديه" الأميركية.
يظلم الإعلام فرانسواز جيلو في الكثير من الأحيان، بتركيزه، عند تناول أعمالها وحياتها، على السنوات العشر التي جمعتها بأيقونة الفن بابلو بيكاسو، الذي التقت به عام 1943 وربطتها به علاقة حبّ، عاشا خلالها معاً حوالي عشر سنوات، وأنجبت منه طفلين، وذلك على الرغم من فارق السن بينهما، إذ كان بيكاسو يكبرها بأربعة عقود. ويشار إليها كثيرًا كعشيقة وملهمة بيكاسو فحسب. وهذا الاختزال والإجحاف هو ما تعاني منه الكثير من النساء المبدعات عندما يرتبطن بمبدع آخر معروف.
درست جيلو المحاماة والفلسفة كما الفن. وأصبح جزء من أعمالها ولوحاتها الفنية من المقتنيات الدائمة في متحف ”المتروبولتان“ النيويوركي العريق. لكن إبداعاتها لم تقتصر على الفن، حيث أنجزت العديد من المؤلّفات في مجالات عدة، بما فيها الفن. ولكن أشهر ما كتبت، هو سيرتها الذاتية خلال عشر سنوات من حياتها مع بيكاسو، تحت عنوان "حياتي مع بيكاسو" عام 1964، وأثار ضجّة كبيرة وتعقيدات قانونية بينهما. تصدّر الكتاب قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، وبيعت منه في السنة الأولى لصدوره مليون نسخة، وترجم إلى عشرات اللغات (ترجمته إلى العربية مي مظفر).
أما الكاتبة الأميركية ليزا ألثر، فهي من مواليد 1944 وأصدرت ثمانية كتب، أغلبها روايات، واحتلت بعضها قائمة الأكثر مبيعاً في دول عدة، وهي معروفة بروايتها ”كنفليكس“ الصادرة عام 1975، ويرى النقّاد أنها من الأعمال الروائية التي استبقت زمنها في تناول مواضيع اجتماعية من وجهة نظر نسوية.
في كتابهما الصادر حديثًا، تقسّم جيلو وألثر الكتاب إلى ثمانية فصول، تتبادل فيها الكاتبتان حوارات حول مواضيع مثل: الجندرية والعائلة ودور الأم والزواج والحب وغيرها. ويحتوي الكتاب على صور شخصية لكل منهما إضافة إلى صور لبعض أعمال غيلو الفنية.
وعن طريقة العمل على الكتاب والحوارات قالت ألثر خلال الندوة: "لم نقم بمحادثات عادية كتلك التي نتبادلها بالعادة عندما نلتقي، فقد تعارفنا منذ حوالي العقدين والنصف، لقد قررنا مسبقًا أننا نريد في حواراتنا المخصصة للكتاب اختيار مواضيع بعينها تتعلّق بالفن والمرأة والمجتمع والكثير من المواضيع الأخرى. وقمنا بالتركيز عليها". وأشارت ألثر كذلك إلى أنهما كانتا قد بدأتا العمل على الكتاب في تسعينيات القرن الماضي، عندما كانت تعيش هي في باريس، لكن ظروفاً عائلية خاصة اضطرتها للعودة إلى الولايات المتحدة، وركن المشروع جانباً إلى أن عادتا للعمل عليه مؤخراً.
تحدثت جيلو في الندوة، كما في الكتاب، عن طفولتها في فرنسا، وعنه الدور الذي لعبه والدها في تربيتها، وكذلك عن الدور القوي الذي لعبته النساء في حياتها بما فيهن جدّاتها ووالدتها.
وتقول جيلو، المتحدرة من عائلة فرنسية غنية، "جيل جدتّي وجيل أمي، جيل عرف الحروب؛ الحربين العالميتين الأولى والثانية. هو جيل اضطرت فيه كثير من النساء إلى إعالة عائلاتهن لوحدهن، إمّا لأن الرجال كانوا في الجبهة أو لأنهن أصبحن أرامل". أما عن فترة الحرب العالمية الثانية وحياتها في باريس تحت الحكم النازي، وقيام النازيين بفرض "حبس منزلي إداري" فتقول: "لقد كنت آنذاك طالبة محاماة ولا أدري لماذا كان النازيون يلاحقون طلاب المحاماة بشكل خاص. وفي إحدى المظاهرات قاموا بالقبض علي وكنت مضطرة لأن أذهب كل يوم إلى المركز للتوقيع. وانتبهت أنني إذا تركتُ المحاماة ربما سيتركونني وشأني فالتحقت بقسم الفلسفة". وهذا ما كان لها. إلا أنها عادت لتلتحق بالمحاماة، نزولاً عند رغبة والدها، في وقت لاحق. وكانت في الوقت ذاته تمارس وتتعلم الفن الذي شجعتها والدتها الفنانة كذلك على تعلمه.
أكدت جيلو في حديثها على أن وضع المرأة الفرنسية في فترة شبابها، كان مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى أفضل بكثير. حيث كانت، على سبيل المثال: "نسبة النساء في كلية الحقوق التي درست بها في الأربعينيات تصل إلى 32 بالمئة. وينطبق الأمر نفسه وبنسب أعلى، على كليات أخرى، ولهذا كانت الكثير من النساء في أوروبا اللواتي يردن تكميل تحصيلهن الأكاديمي يأتين إلى فرنسا". ورغم حديثها عن أهمية تعليم النساء وتقدّم وضع المرأة الفرنسية من هذه الناحية مقارنة حتى بالدول الأوروبية في تلك الفترة، على حدّ قولها، إلا أن كتابها الأخير تعرّض إلى انتقادات لاذعة من صحف مرموقة كالغارديان البريطانية، وذلك بسبب احتوائه على تصريحات إشكالية حول المعاكسة والتحرش اللفظي بالنساء عامة والاغتصاب خاصة.
وكتبت جيلو "في الغالب هناك حالات اغتصاب أقلّ في فرنسا (مقارنة بالولايات المتحدة) لأن الناس أقلّ كبتًا... إذا قام رجل بالتصفير لكِ وأنت بادرته بابتسامة، فإن ذلك يحرّك عجلة العلاقات الاجتماعية ويخفف من التوتر بين الطبقات والأجناس. إنه نوع من الأخذ والعطاء والاعتراف بوجود الآخر ورؤيته، وبهذا المعنى فإن ذلك يعني أنك لا تتعامل مع الشخص الآخر كموضوع جنسي". لكن الكثير من النسويات الفرنسيات لا يتفقن مع جيلو في نظرتها ليس فقط للمرأة، وشرعنة التحرش حتى لو كان لفظيًا وتزينه بكلمات كالملاطفات والمجاملات، بل نظرتها إلى أن هذه التصرفات تصدر غالبًا من العمال، وهي نظرة المرأة الغنية والبورجوازية، حيث إن التحرش لا يقتصر على طبقة أو درجة تعليم معينة للرجال.
أما عن سبب اختيار جيلو للعيش في نيويورك بدل باريس أو لندن فقالت "لقد أتيت إلى نيويورك للمرة الأولى عام 1961، ومن بعدها واظبت على القدوم هنا. عشت بين لندن وباريس، ولكن كان واضحًا لي أن عليّ اختيار إحدى المدينتين، أي لندن أو نيويورك، للاستقرار فيها، فاخترت نيويورك لأنها مدينة مفعمة بالحيوية، فيها دائمًا الجديد والرغبة بالحياة".

اقرأ أيضا: La Rambla وميرو

دلالات

المساهمون