سيناريوهات الرد على تصفية القضية الفلسطينية

سيناريوهات الرد على تصفية القضية الفلسطينية

30 يونيو 2019
تظاهرة ضد ورشة المنامة في غزة (عصام ريماوي/ الأناضول)
+ الخط -
لم تفلح اللقاءات وجولات المصالحة المتعددة في تقريب وجهات النظر الفلسطينية لاجتراح مصالحة وطنية، لكن ورشة البحرين الاقتصادية فعلت ذلك ونجحت في تقريب مستويين مهمين، مستوى الخطاب ومستوى الممارسة بين فتح وحماس بين الداخل والخارج. لم تتبلور مصالحة حقيقة بعد لكن الورشة أنتجت إجماعاً فلسطينياً على ضرورة مواجهتها والتصدي لتبعاتها منذ اللحظة التي أعلن فيها عن انعقادها، إذ توحدت الفصائل الفلسطينية جميعها على مبدأ رفض الورشة ومخرجاتها جملة وتفصيلاً وذهبت خطوة جادة في الاتفاق على الشروع العملي لمواجهته. هذه المواجهة تفتح الباب أمام استحضار جملة سيناريوهات ممكنة ومتوقعة ومتاحة أمام الفلسطينيين الذين باتوا جميعاً في دائرة الاستهداف. بعدما بات تقرير مصير القضية الفلسطينية يقرر بعيداً عن إشراك الفلسطينيين ودون استشارتهم وباتت بعض النظم العربية تنوب عنهم وتقرر لهم.

سيناريو الانتفاضة الشعبية
يتوقع حدوث هذا السيناريو في الضفة الغربية ويقوم هذا السيناريو على استمرار الدعوات التي وجهتها القوى الوطنية والإسلامية في الضفة الغربية، واستمرار المسيرات الشعبية الغاضبة رداً على ورشة المنامة وصفقة القرن، الأمر الذي قد يفضي لحدوث تماس واحتكاك مع قوات الاحتلال الموجودة في الضفة الغربية، ويتزامن ذلك مع عملية حشد للشارع الفلسطيني وتعبئة موجهة تشرع بها المحطات الإذاعية المحلية بفتح موجات بث موحدة ومفتوحة لتغطية ونقل الفعاليات والأنشطة وإرسال رسائل للداخل والخارج، تحث فيها على ضرورة مواجهة الاحتلال والدفاع عن القضية الفلسطينية، ويتوقع دخول المحطات الفضائية العربية والدولية على مسارات هذا السيناريو بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي بدأت بالفعل بإطلاق حملات موسعة ومنظمة رفضاً لما يجري في المنامة تحت شعار "موحدون لإسقاط ورشة البحرين وصفقة القرن"، والتغريد على وسم "يسقط مؤتمر البحرين".

يتقاطع هذا السيناريو مع رغبة كل من السلطة الفلسطينية وحركة فتح، فالسلطة تريد تحريك المياه الراكدة في ما يتعلق بالتسوية السياسية وبالرد على تجاهلها أميركياً وعربياً، لا سيما أن هذا السيناريو يأتي في ظل أوضاع اقتصادية غاية في الصعوبة تمر بها السلطة وموازنتها، وقد يتدحرج الأمر لتفعيل قرارات المجلسين الوطني والمركزي بالتخلص من الاتفاقات الموقعة مع الاحتلال الأمنية والاقتصادية والسياسية، بما فيها "سحب الاعتراف" بإسرائيل، وتأكيد تفعيل حركة المقاطعة الدولية (بي دي إس) مع الاحتلال، وهو ما لوح به مسبقاً واصل أبو يوسف عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في حديثه عن الخيارات الفلسطينية لمواجهة مؤتمر البحرين.

حركة فتح ستلتقط هذا السيناريو وتعيد الدعوة مرة أخرى إلى إضراب شامل في كافة الأراضي الفلسطينية، وتهدف من ذلك إلى إثبات قدرتها على الحضور وتحريك الشارع الفلسطيني وضبط إيقاعه، وأنها هي رأس الحربة في الحركة الوطنية الفلسطينية وفي المشهد السياسي الفلسطيني وهي بذلك تدعم مواقف السلطة الفلسطينية وتتقاطع معها.

هذا السيناريو قد يتدحرج لما هو أبعد من مجرد إضراب شامل تدعو إليه فتح وتغض الطرف عنه السلطة الفلسطينية؛ قد يتطور لمواجهات شعبية تصبح لاحقاً انتفاضة شاملة في الضفة الغربية، قد تتمدد لمناطق الداخل الفلسطيني أراضي عام 48 التي يتمخض الحراك العربي فيها على وقع الانتخابات الإسرائيلية، وقد يصل الأمر إلى مدينة القدس التي تشهد تغولاً وتهويداً واحتكاكاً غير مسبوق، وننتقل من مواجهات وانتفاضة شعبية وإضراب وإلقاء حجارة إلى عمليات فردية كالطعن والدهس. وهو سيناريو غير مستبعد بالمناسبة في القراءة الإسرائيلية التي عبر عنها الجنرال "عامي آيالون" الرئيس الأسبق لجهاز الأمن العام الشاباك في مقاله بصحيفة يديعوت أحرونوت يوم 20 يونيو/ حزيران الماضي وقال "ورشة البحرين بوابة لاندلاع جولة دامية مع الفلسطينيين".

سيناريو تطور فعاليات مسيرات العودة
يتوقع حدوث هذا السيناريو في قطاع غزة، ويقوم على زيادة فعاليات مسيرات العودة؛ والعودة لتسيير مسيرات بحرية صوب مستوطنة زيكيم شمال غرب قطاع غزة، والعودة لتفعيل الأدوات الخشنة لهذه المسيرات كإشعال الإطارات والبالونات الحارقة وقص السلك وغيرها، ستوظف فصائل المقاومة عموماً وحركة حماس على وجه التحديد هذه المسيرات والفعاليات أولا من أجل إجهاض وتعطيل مخرجات ورشة المنامة، وثانياً من أجل الضغط على إسرائيل لتنفيذ إجراءات ومقتضيات التهدئة خاصة بعد تصريحات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الأخيرة بأن التهدئة تمر بمرحلة الخطر، ثالثاً كرسالة مفادها أن الحاضنة الشعبية في قطاع غزة ما زالت منحازة لخيار المقاومة وأن عملية الحصار والتضييق المفروضة على قطاع غزة لم تفض للنتائج التي يتوقعها الاحتلال، وبالتالي قد نكون أمام عملية حشد شعبي كبيرة للمشاركة في مسيرات العودة، وهو ما قد يفضي إلى تدحرج هذا السيناريو من مسيرات سلمية شعبية إلى سيناريو الاشتباك المباشر والانتقال للحرب، خاصة إذا ما قامت إسرائيل بالإطلاق النيران صوب المتظاهرين وسقط منهم شهداء، الأمر الذي سيقتضي تدخل الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة للرد على الاعتداءات الإسرائيلية وبالتالي الانتقال لحرب إسرائيلية جديدة على قطاع غزة؛ قد يجد فيها نتنياهو فرصة لرفع رصيده السياسي في الانتخابات المقبلة، ويستفيد من غض الطرف العربي الرسمي في ظل حالة التقارب الحاصلة بين إسرائيل والدول العربية.

سيناريو المظاهرات الشعبية في العواصم العربية
خرجت مجموعة مظاهرات في العواصم العربية على وقع انعقاد مؤتمر المنامة وقبل انعقاده بما في ذلك البحرين التي استضافت المؤتمر، وبالتالي قد تستمر هذا المظاهرات والاعتصامات في العواصم العربية وقد تتمدد وتنتقل لعواصم عربية أخرى، ويقوم هذا السيناريو على استمرارية هذه التظاهرات وتوظيفها من قبل القوى السياسية المعارضة للأنظمة العربية، لا سيما في ظل الحالة المتردية سياسياً واقتصادياً في غالبية الدول العربية، ويحتاج هذا السيناريو إلى قدرة فلسطينية على الاتصال والتوظيف والتواصل مع مختلق القوى السياسية العربية والرأي العام العربي من أجل الحشد والضغط، الأمر الذي قد يفضي لحالة غليان في الشارع العربي تستمر، هذا السيناريو مرهون بأمرين؛ الأول قدرة القوى السياسية المعارضة على الحشد وتكوين رواية قادرة على كشف ما يحاك لا ضد القضية الفلسطينية فقط ولكن للأمة العربية والإسلامية، وثانياً التقاط فلسطيني لهذه المظاهرات وتوظيفها لا من أجل مواجهة مؤتمر نتائج مؤتمر المنامة فقط ولكن من أجل كشف وفضح وتعطيل مشروع التطبيع الحاصل بين الدول العربية وإسرائيل، ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية بتمويل عربي.

سيناريو اجتراح مصالحة فلسطينية
واحدة من أهم النتائج التي أوجدها مؤتمر المنامة وجود اتفاق فلسطيني وطني على ضرورة مواجهة مخرجات المؤتمر وصفقة القرن والتصدي لكل محاولات تصفية القضية الفلسطينية، وحدوث حالة تنسيق وتقاطع في الخطاب السياسي والممارسات الميدانية بين كافة الفصائل الفلسطينية وليس فتح وحماس فقط، ويمكن التقاط مجموعة خطابات وبيانات وتصريحات سياسية لمجمل الفصائل الفلسطينية التي تنادي وتدعو إلى ضرورة الوحدة الوطنية الفلسطينية، ولأن ما يحاك لا يستهدف فصيلاً بعينه بل يستهدف مجمل القضية الفلسطينية قد لا يكون أمام الجميع خيار أو سيناريو أو مخرج إلا المصالحة الفلسطينية.