أطفال القمر في المغرب.. ضحايا الشمس والعزلة

أطفال القمر في المغرب.. ضحايا الشمس والعزلة

22 يونيو 2014
ملابس واقية يضطر "أطفال القمر" إلى ارتدائها (العربي الجديد)
+ الخط -
قد يبدو وصف "أطفال القمر" شاعرياً، يرمز إلى الجمال والأمل، إلا أن الحقيقة غير ذلك تماما، فأطفال القمر ليسوا كجميع الأطفال، حياتهم تبدأ عندما يسدل اليوم ستاره إيذاناً بالغروب، وعدوهم الأول هو أشعة الشمس، التي ما إن تلامس جلودهم حتى تحولها إلى مرتع خطير للأورام السرطانية القاتلة.

ويُعَرّف الأطباء داء "أطفال القمر" بأنه عبارة عن مرض التقرح الجلدي الاصطباغي، أو ما يُعرف باسم "الكزيروديرما بيكمنتوزوم"، وهو مرض جلدي وراثي خطير، ينتج عن التعرض لأشعة الشمس، حيث يتحول الجلد إلى بثور وأورام سرطانية، قد تفضي إلى الموت.

أحمد الديبوني، طفل مغربي في الرابعة عشرة من عمره، هو أحد "أطفال القمر"، الذين ترتبط حياتهم باستمرار بالقمر وظلمة الليل، ويستحيل يومهم إلى عذاب حيث يُمنع عليهم الخروج والدراسة واللعب في النهار مثل غيرهم، إلا باتخاذ احتياطات كثيرة ومكلفة من ملابس خاصة ونظارات ضد أشعة الشمس.

عبد القادر الديبوني، والد أحد الأطفال المصابين بالمرض، قال لـ"العربي الجديد" إن معاناة ابنه بدأت مبكرا منذ أن كان عمره عامين فقط، حيث لاحظت الأسرة أنه كلما خرج للّعب تحت أشعة الشمس، رجع مصابا بطفح جلدي، يشبه الحروق، في جميع أنحاء جسده، فأخبرهم الطبيب بحقيقة مرضه.

وأضاف الوالد، الذي رفض أخذ صور لابنه لدواع نفسية وإنسانية، أن أحمد، كبر وكبرت معه آلامه ومعاناته يوما بعد يوم، كونه انقطع عن التعليم لعدم وجود مدارس في الليل، كما أنه بات ممنوعاً من الخروج في النهار إلا بلوازم كثيرة، فضلا عن تناسل الأورام الجلدية، والآلام النفسية، التي لا تكاد تفارقه.

"العزلة".. هي الكلمة التي توجز حياة أطفال القمر، تقول أسماء، ذات العشرين عاما، والتي أصيبت بهذا المرض النادر منذ سن صغيرة، واستطاعت أن تساير ما يخلفه من خسائر ومآس صحية ونفسية واجتماعية، حيث انخرطت في العمل التطوعي من بيتها للتعريف بمخاطر المرض وسبل الوقاية منه.

وقالت أسماء لـ"العربي الجديد" إن أكبر شعور سلبي لطفل القمر يتمثل في الإحساس بالعزلة عن المجتمع، لأن يومه يبدأ بحلول الظلام، أي حين يشرف يوم الآخرين على الانتهاء، مضيفة أنها "تعمل من خلال الانترنت في المنزل على التوعية بالمرض، ومحاولة التواصل مع غيرها من المرضى.

نزهة أشقندي، سيدة مغربية جعلت من معاناتها الاجتماعية المريرة مع مرض التقرح الجلدي الاصطباغي، الذي أصاب أبناءها، تجربة ناجحة تتقاسمها مع عائلات المصابين، من خلال تأسيس جمعية سمتها "التضامن مع أطفال القمر"، والذين يقدر عددهم بحوالى 400 شخص.

وقالت أشقندي لـ"العربي الجديد" إنها فجعت بموت ابنها في سن صغيرة، بسبب تعرضه لأشعة الشمس، قبل أن تفطن إلى خطورة الأشعة فوق البنفسجية على جلده وصحته، فتفادت المصير نفسه مع ابنتها الأكبر سنا، والتي تعاني من المرض ذاته، بأن سهرت على تعليمها داخل بيتها، حتى لا تصاب بأورام قاتلة.

"الجمعية تحاول القيام بدور التوعية"، تضيف أشقندي، "وسط الناس والأسر التي لديها (أطفال القمر)، من أجل الانتباه إلى الأعراض، التي تؤشر على المرض الجلدي القاتل"، مبرزة أن "جمعيتها تعمل أيضا على توفير مراهمَ خاصة وأزياء خاصة لا توجد في المغرب يرتديها أطفال القمر لاتقاء أشعة الشمس".

ولعل المشكلة الأكبر، التي تواجه أطفال القمر، أنهم يجدون أنفسهم مرغمين على الانقطاع عن الدراسة، غير أن تجربة فريدة في مدينة العيون، جنوبي البلاد، تزرع شيئا من الأمل، حيث اهتدت مدرسة إلى فتح أبوابها لـ12 طفلا من أطفال القمر في المدينة بعد غروب الشمس لمتابعة دروسهم، التي يقدمها أساتذة متطوعون.

أطفال القمر 

دلالات

المساهمون