بين شكسبير ومحمود

بين شكسبير ومحمود

28 أكتوبر 2014
حريق المكتبة العامة في سيفاستبول خلال حرب القرم 1855(Getty)
+ الخط -

صديقي المصري محمود يفضّل الفن والأدب على الحياة البشرية. وأنا أخالفه رأيه.

يسألني الشاب المتخرج حديثاً: لو افترضنا أنّ هناك حريقاً في مكان يضم آخر نسخة من أعمال شكسبير، أو تولستوي، أو دوستويفسكي، أو لوحة الموناليزا لليوناردو دافينشي. وفي المكان نفسه، طفل رضيع وحده. فإذا كنت لا تستطيع أن تنقذ إلّا واحداً منهما ماذا تختار؟ العمل الفني والأدبي أم الطفل!؟

أقول له: سأختار المستقبل لا الماضي. فأيّ أثر، أكان فنياً أم أدبياً أم فكرياً أم علمياً، يمكن للطفل نفسه الذي سأنقذه، أن يأتي بأفضل منه. سأختار الطفل أكان ابن ثري أميركي أم فقير هندي. أكان ابن نظام حريات اسكندنافي أم نظام قمع عربي. وسأختار المستقبل لأنّنا نعيش الحياة، ربما، على هدى السابقين. لكننا بالتأكيد، لنا أن نرسم مصيرنا بأنفسنا، مهما ضاقت علينا السبل، أو اتسعت.

يسأل مجدداً: ومن قال إنّ شكسبير -مثلاً- من الماضي!؟ هل تعلم كم يؤثر كلّ يوم في البشرية؟ أي أنّه ما زال يؤدي دوره. وحتى لو افترضنا أنّ فنّ هؤلاء وأدبهم من الماضي، ألسنا بحاجة إلى معرفة الماضي لنصل إلى مستقبلنا!؟

أقول له: حين أختار الطفل، أؤكد من منبع ذاتي أنني لا أخشى المستقبل. بل أشير إلى مقدرتي على تحديه، لا من خلال أصوليات، بل من خلال حراك اجتماعي وفكري يومي، يكون لهذا الطفل أو غيره، دور فيه. لما كنا اختلفنا لو خيّرتني بين أيّ رئيس أو قائد أو سياسي أو رجل دين في أي دولة من الدول وفي أيّ دين من الأديان، وبين عمل فني أو أدبي، لكنت اخترت عندها الأثر الفني أو الأدبي.

ينفعل محمود: لست بالغباء الذي يجعلني أقارن اللمبي -حتى- بأيّ سياسي من السياسيين في أي مكان في العالم. فالسياسيون هم حثالة البشرية. فما بالك بمقارنة هؤلاء بالفن الحقيقي الرائع!؟ لكنّك تحمّل هذا الطفل الذي ستنقذه، مهمة عظيمة أكبر من طاقته، حينما تطالبه بأن يعوّضك عن عبقرية أولئك العباقرة. فربما يكون مجرد طفل عادي متوسط الذكاء. في حقيقة الأمر، ليس بإمكانك أن تطالب الجيل الحالي بأن يفرز عبقريات كهؤلاء فلماذا تحرمنا من الاستمتاع بها؟ "ليه يا ظالم"؟

أقول له: بالفعل، هذه هي الفكرة. أنا أحمّله مهمة عظيمة قد تكون أكبر من طاقته. لكنني لن أطالبه بتنفيذها، لأنّ الفشل في هذه الحالة ليس فشله وحده، بل فشل المجتمع الذي لم يحطه بالظروف الكافية لإطلاق عبقريته. ومجتمع غير قادر على الإنتاج، لن تفيده عبقريات، كالتي ذكرتها، إلاّ بالمزيد من الغرق في التقليد.

لا يقتنع محمود، ولا أبدّل وجهة نظري... ويستمر النقاش.

دلالات

المساهمون