ثقافة كورونا

ثقافة كورونا

15 مايو 2020
رسم كورونا (فيشال باتانغار/ Getty)
+ الخط -
سواء بعد أذان المغرب أو بعد أذان العشاء، يرتفع كلّ يوم في أحد مساجد العاصمة اللبنانية بيروت، دعاء مخصص لـ"رفع البلاء وإبعاد الوباء". يجتهد المقرئ في التجويد والتلحين ونطق الحروف بمخارجها الصحيحة، ورفع الصوت وخفضه بحسب درجة الخشوع وفداء النفس في سبيل رفع الغُمّة عن الأمة، أو التهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور لكلّ من أوصلت أعماله الفاسقة إلى حدّ انتشار الأوبئة والأمراض.

وبينما يتزمّت البعض في مسألة الدعاء وقدرته وحده على ردّ الأمراض وغيرها كثير من المضار، فإنّ كثيرين لا يتورعون عن الدعاء لكن يمنحون العقل والعلم بعض الفضل، في اتخاذ سبل الوقاية مثلاً، واللجوء إلى الأدوية واللقاحات. وفي أحد مقاطع الفيديو، سخر خطيب ديني من "حاج لبناني" يواجه كورونا بتناول الثوم والملح والزيت والليمون الحامض ثلاث مرات يومياً، بينما "تواجهه الصين بملايين الأطباء والأبحاث للوصول إلى دواء". ويتابع الخطيب: "...واقنع الحاج أنّ هذه خلطة فول، وليست دواء لكورونا".

في كلّ الأحوال، كورونا ما زال بعيداً جداً عن أيّ لقاح، وقد يتأخر ذلك خمس سنوات حتى، بحسب وزير الصحة الألماني، بواقعية بعيدة عن دجل التجار ومراهناتهم، كالتوقع الذي خرج به الرئيس الأميركي، بأنّ اللقاح سيكون جاهزاً قبل نهاية العام الجاري. لكن، حين يتوفر اللقاح أو أيّ لقاح لمرض آخر، هناك من يحرص على عدم تناوله وعدم إعطائه لأطفاله، بذرائع مختلفة، منها ما يدخل في إطار المؤامرة، ومنها ما يرتبط بعقائد دينية، أو على الأقل بعقائد تروجها جماعات دينية. فالعام الماضي مثلاً شهد واحدة من أسوأ موجات تفشي الحصبة في الولايات المتحدة. ومن أبرز أسباب ذلك عدم الإقبال على التلقيح. وفي نيويورك، اعتبرت جماعات يهودية أرثوذكسية في منشور وقّعه عدد من الحاخامات أنّ "التلقيح هو الخطر الأعظم على صحة الأطفال".



مثل هذه العقائد تتغذى من نفسها، ومن المؤسسات العلمية وشركات الأدوية في المقابل، فالعالم "المتقدم" بالرغم من كلّ تبجحه العلمي، وهجره الخرافات، لا يكاد يتفق على تقنيات علاج ودواء ولقاح، عدا عن الشبهات الدائمة المحيطة بهذه الصناعة التي تدرّ مليارات الدولارات سنوياً على أصحابها.

ومع العقائد الدينية ثقافة شعبية تكاد تصل إلى مستوى العقائد في قدرتها على تحريك المؤمنين بها. والأمثال الشعبية شاهد حيّ على ذلك، وللأمراض حصة كبيرة في أمثال لبنان، ويمكن الإشارة إلى بعضها، من قبيل: "آمن بالحجر تبرأ"، و"الله خلق البلا وخلق الدوا"، و"اللي ساق نفسه للردى لا يلومها". وبين هذا وذاك، لا تستغرب أن ترى أحدهم يواجه كورونا بالدعاء أو بالاتكال على الله، أو حتى بمثل شعبي يقول: "اللي إلو عمر ما بتقتلو شدّة".

المساهمون