الكمأة في سورية... مخاطرة بالحياة لتأمين لقمة العيش

الكمأة في سورية... مخاطرة بالحياة لتأمين لقمة العيش

13 ابريل 2024
كميات من الكمأة مهيأة للتسويق في سورية في السادس من مارس 2023 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- البادية السورية تعد موطنًا للكمأة، فطر ثمين يجذب الباحثين عنه رغم المخاطر الكبيرة مثل مخلفات حربية وألغام أرضية.
- البحث عن الكمأة يعتبر مصدر رزق هام للسكان المحليين، حيث يمكن تحقيق أرباح كبيرة من بيعها، خاصة في سوق مدينة القامشلي.
- الأرباح المغرية تجذب الباحثين رغم المخاطر العالية التي تشمل الإصابات الجسدية والوفيات، مما يجعل البعض يعيد التفكير في مخاطر هذا النشاط.

تشتهر البادية السورية بأنّها مصدر مهم للكمأة، علماً أنّ البحث عنها خطر وينطوي على مجازفة، على الرغم من الأرباح الممكن تحقيقها من خلال جمع الكمأة وبيعها بأسعار مرتفعة.

يسلك الباحثون عن الكمأة في شرق سورية طرقات محفوفة بالمخاطر من أجل الحصول على هذا النوع من الفطر الذي يُعَدّ ثميناً، والذي صار مصدر رزق على الرغم من الموت الذي يعترض الباحثين عنه. فالكمأة تنبت في أراضٍ تتضمّن مخلفات حربية وألغاماً أرضية، في وقت إنّ عناصر مسلحة قد تتربّص بهؤلاء الباحثين عن لقمة العيش لسلب ما يجنونه في عملياتهم الشاقة.
ورحلة البحث عن الكمأة، أو "الجما" بحسب ما يسمّيها أبناء البادية، لم تعد نزهة مثلما كانت في السابق عند خروج الشبان في مجموعات للبحث في البادية. وتنبت الكمأة في الأراضي الرملية غير الصالحة للزراعة بعد البرق والرعد، في صحراء دير الزور والبادية، ويتطلّب العثور عليها خبرة إلى جانب معرفة مناطق نموّها، علماً أنّ موسم البحث عنها يبدأ في أواخر شهر يناير/ كانون الثاني ويستمرّ حتى نهاية موسم الأمطار.
وتتطلّب رحلة البحث عن الكمأة خبرةً، بحسب ما يفيد عمار الساطي، من أبناء ريف دير الزور الغربي الذي يعمل في جمع الكمأة. ويؤكد الساطي، الذي يقصد مدينة القامشلي من أجل بيع ما يجمعه، لـ"العربي الجديد": "لديّ خبرة في معرفة أماكن انتشار الكمأة، نتيجة سنين قضيتها في البادية. وثمّة أوقات يكون فيها العثور على الكمأة أمراً شبه مؤكد". يضيف الساطي أنّ "البحث عن الكمأة يتطلّب تركيزاً كبيراً. وبالتالي يتوجّب على الشخص المعني إبقاء نظره موجّهاً إلى الأرض باستمرار خلال عملية البحث حتى يتمكّن من رؤية الشقوق في الرمال التي تدلّ على وجود كمأة. وبعدها، عليه أن يتفحّص التربة الرملية، ويدخل قضيباً معدنياً لاستخراج ذلك النوع من الفطر". ويخبر الساطي: "بحثت في أماكن كثيرة في بادية دير الزور"، مشيراً إلى أنّ "المطر الغزير كان مفيداً لنا في كثير من الأحيان، إذ إنّ السيول جرفت ألغاماً أرضية فصرنا نراها بوضوح ونتجنّب مخاطرها، بالإضافة إلى أنّ تلك السيول تؤدّي إلى ظهور الكمأة على سطح الأرض". ويتابع: "أحاول العمل في مناطق آمنة قصدتها في السابق، فأنا لا أريد المخاطرة".

البحث عن الكمأة محفوف بالمخاطر

ويفيد الباحثون عن الكمأة الذين تحدّث إليهم "العربي الجديد" بأنّ على الرغم من تعرّض حياتهم للخطر والصعوبات الجمّة التي يواجهونها، فإنّهم يضطرون إلى التوجّه إلى البادية وجمع الكمأة وبيعها لاحقاً في أسواق مدينة القامشلي، من أجل تأمين لقمة العيش لهم ولعائلاتهم. ويبيّن هؤلاء أنّ موسم الكمأة يستمرّ لنحو شهرَين، وأنّ عملية جمعها ليست صعبة جداً إنّما  تتطلّب خبرة وصبراً، فالسير خلال البحث عنها يمتدّ لساعات إلى جانب النظر إلى الأرض أمران مرهقان.

يوسف السعدو من هؤلاء الباحثين، يشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "الحرقة والزبيدي هما نوعا الكمأ اللذان يُصار التركيز عليهما. وثمّة طلب أكبر على الحرقة، علماً أنّه هو أغلى من الزبيدي". ويتحدّث السعدو عن مخاطر جمع الكمأة، لافتاً إلى أنّ "ابن خال لي قُطعت رجله بسبب انفجار لغم خلال بحثه عن الكمأة، وقد صار مضطراً للاستناد إلى عكاز عند تحرّكه. ومع ذلك، ما زال يصرّ على التوجّه إلى البادية وجمع الكمأة. كذلك فإنّ صديقاً لي قُطعت أصابع يده اليمنى، لكنّه مصر على جمع الكمأة بيده اليسرى".
وينصح السعدو بعدم المغامرة خلال البحث عن الكمأة، شارحاً أنّ "المنطقة في ريف دير الزور خطرة. فقد هلكت هناك عائلات بأكملها، فيما اختفت أخرى، وما زال مصيرها مجهولاً حتى الآن. وثمّة أشخاص ذُبحوا خلال رحلاتهم تلك، وآخرون لوحقوا بالدراجات النارية". ولا يخفي أنّه شهد "مناظر مرعبة لجثث" في المسار الذي كان يسلكه. من هنا، يقول: "نصيحتي ألا يتوجّه أحد إلى تلك المناطق لجمع الكمأة"، مبيناً أنّ ذلك "دفعني إلى ترك هذا العمل كلياً".

كمأة معروضة للبيع في أحد أسواق سورية - 28 فبراير 2024 (فرانس برس)
كمأة معروضة للبيع في أحد أسواق سورية، في 28 فبراير 2024 (فرانس برس)

أما طارق المشعان من قرية أبو حمام، فيخبر "العربي الجديد": "أعمل في زراعة النخيل. وعندما يحين موسم الكمأة، أتوقّف عن عملي هذا وأتفرّغ لجمعها. فموسم الكمأة محدود ويُقدَّر بنحو شهرَين فيما دخله أكبر بكثير من العمل في النخيل". يضيف: "نذهب في مجموعات تتألّف من عشرة أشخاص أو أقلّ، من الأقارب والأصدقاء، لجمع الكمأة. ونخرج بالسيارة إلى منطقة البحث في ريف دير الزور، تحديداً بادية البشري ومنطقة أبو باجم حيث تنتشر الكمأة بكميات كبيرة".
وإذ يؤكد المشعان بدوره أنّ المخاطر كبيرة عند جمع الكمأة، يلفت إلى أنّ "ما يمكن جنيه في الموسم الواحد قد يكون جيداً". ويعود إلى المخاطر، فيحكي عن "قريب لي قُطعت رجله هذا العام بسبب انفجار لغم أرضي عندما كان يبحث عن الكمأة. كذلك ثمّة عائلة انفجر لغم بالسيارة التي كان أفرادها يستقلّونها خلال توجّههم لجمع الكمأة". ويشدّد على أنّ "الخطر كبير. ففي منطقة الوادي بريف دير الزور، طوّقت مجموعة مسلّحة ثلاثة من أقاربي، وهدّدتهم بالقتل. لكنّها لم تنفّذ تهديدها، بل جعلتهم يتعرّون وأخذت ثيابهم وسلبتهم كلّ ما يملكونه، بما في ذلك سيارتهم. وقد حسم هؤلاء أمرهم بعدم العودة أبداً إلى هذا العمل". كذلك يفيد المشعان بأنّ "عائلات بأكملها ما زالت مجهولة المصير في المنطقة بريف دير الزور حتى الوقت الراهن"، مشيراً إلى أنّ "اختطاف كلّ أفراد العائلة بمن في ذلك النساء والأطفال أمر خطر".

الكمأة لا تستحق المخاطرة

من جهته، توقّف عبد القادر المحمد، وهو من أبناء ريف دير الزور، عن جمع الكمأة. يقول لـ"العربي الجديد": "أعمل في صيد السمك. هذه مهنتي طوال العام، لكنّني، في موسم الكمأة، كنت أنضمّ إلى أقارب وأصدقاء لي للبحث لجمعها. وقبل مدّة، قضى 13 شخصاً في انفجار سيارة، ومنذ ذلك الحين لم أخرج قطّ. الخطر كبير ولا يستحق المغامرة، على الرغم من أنّ المقابل المالي ضخم. ولديّ صديق يصرّ على ذلك، وهو يبحث في الغالب في أماكن خطرة، مبرّراً ذلك بأنّ الفائدة كبيرة رغم الخطر". ويبيّن المحمد أنّ منطقة غرب الفرات خطرة جداً، إذ إنّ الألغام تنتشر فيها إلى جانب وجود عناصر مسلّحة، وبالتالي لا يمكن للمرء أن يطمئنّ على حياته".
ويقرّ المحمد بأنّ "في السابق، كنت أبحث عن الكمأة من دون دراية بالمخاطر. لكنّني توقّفت عن ذلك منذ نحو عامَين"، مشدّداً على أنّ "حياتي أغلى بكثير". ويلفت في هذا الإطار إلى أنّ "المغريات كثيرة"، ولا سيّما وسط غلاء أسعار الكمأة والأرباح التي يمكن جنيها من خلال بيعها، غير أنّه يحذّر الأشخاص من اصطحاب أفراد عائلاتهم معهم خلال بحثهم عن الكمأة، "إذ لا أحد يعلم ما الذي قد يصيبه". ويتابع: "إمّا يُقتَل على يد مسلّحين وإمّا تنفجر به ألغام".
تجدر الإشارة إلى أنّ صحيفة الوطن السورية، المقرّبة من النظام السوري، أفادت أخيراً بأنّ أكثر من 110 أشخاص قُتلوا في عمليات جمع الكمأة منذ بداية الموسم الحالي، وذلك بسبب انفجار ألغام ومخلفات حربية. من جهته، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأنّ نحو 66 مدنياً، من بينهم 13 امرأة وطفل، قُتلوا خلال البحث عن الكمأة بين منتصف شهر فبراير/ شباط ومنتصف مارس/ آذار الماضيَين، علماً أنّ لا بيانات دقيقة تتوفّر بشأن أعداد القتلى من بين الباحثين عن الكمأة.

المساهمون