طلاء الأظافر

طلاء الأظافر

23 فبراير 2020
هذا الوقت لها (Getty)
+ الخط -
هذه الأيّام، "الصعبة" كما نُسمّيها، بات علينا الفصل بين الضروريّات أو الكماليّات. وهذا يعني إعادة تعريف هاتين العبارتين. سيطلّ جمعٌ برؤوسهم ليتحدثوا عن النسبية، ونتوه جميعاً لفرز الضروري من بين الضروريات والكمالي من بين الكماليات. ثمّ تأتي النسبية مجدداً. كيف لا ومكانها هنا؟

مع بداية أزمة المصارف في لبنان، حدثت دردشةٍ بيني وبين فتاة تهتمّ بتزيين أظافر النساء. سألتُها، كزبونة، إن كان عملها قد تأثّر. أخبرتني حينها أنّه يمكن للنساء أن يمتن جوعاً، ولا يتركن أظافرهن بلا عناية أو ألوان، وغيرها من الأساسيات. والقول إنّ الكماليات والضروريات تتغيّر بحسب الطبقات الاجتماعية ليس اكتشافاً. في وقت لاحق، كانت الفتاة نفسها خائفة من خسارة إحدى مُتع حياتها، والتي يُمكن لنساء أخريات اعتبارها من الكماليات. هي من اللواتي لا يشعرن بالراحة بعد يوم عمل طويل إلاّ حين تجلس وشقيقتها لتدخين النرجيلة، لكنّ سعر "التنباك العجمي" ارتفع إلى الضعف. وبات التفصيل "الكمالي" في حياتها، باعترافها هي، مصدر قلق بالنسبة إليها. "كمالي" لكنّها لا تستطيع العيش من دونه. هذه الدقائق الستون تجعلها قادرة على الخلوّ بنفسها، وإخراج سموم الحياة مع دخان النرجيلة، بحسب ما تقول. هي نفسها مستعدّة أن تأكل أقلّ من أجل الاحتفاظ بهذه الساعة لأطول فترة ممكنة.

بشكل عام، ترتبط الضروريّات بتلك المعيشية للاستمرار، كالطعام والشراب. والكماليّات هي الأشياء غير الضروريّة، وعادة ما تُحصَر بعدم الموت جوعاً. لكن يُفترض بنا أن نعتبر أنّ الطعام والشراب من البديهيات. مثلما وُجدنا على الأرض، وُجدت الأعشاب التي يمكنها إشباعنا، كما البحيرات. لكنّ الحياة، وقد تغيّرت ملامحها، وباتت أكثر وحشية، تُجبرنا على الاستعانة بالكماليات للاستمرار. ومن دونها، نرقد في السرير.




على هذا المنوال، يمكننا عكس ما قاله هيغل يوماً. كان يرى أنّ الفلسفة تستلزم أولاً توفير درجة معينة من الثقافة العقلية، ونظراً لكون الفلسفة نشاطاً حراً وغير نفعي فإنّها تستلزم توفر الحياة المادية. وبحسب هيغل، لم يبدأ أرسطو الفلسفة إلاّ عندما أصبحت الحياة المادية متوفرة، أي بعد زوال "قلق الحاجة"، إذ إنّ الفلسفة لون من ألوان الاستمتاع كما لو كانت ضمن الكماليات. لكنّ الحاجة اليوم باتت أكثر تعقيداً من "حاجة" أرسطو، وإن اختلفت من شخص إلى آخر. النفس أو الروح اليوم أكثر جوعاً. وبعدما جعلتنا الحياة نواجه مواقف محرجة طوال الوقت، بات علينا إنقاذ أنفسنا، ولو بسيجارة.

المساهمون