حياة بالتقسيط

حياة بالتقسيط

13 فبراير 2020
تحرّك ضد حاكم مصرف لبنان (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -
هدأت الصدمة في لبنان. وإن كان الناس ما زالوا يشكون عدم قدرتهم على سحب أموالهم من المصارف، إلا أن كثيرين تعايشوا مع الأمر الواقع. حياة بالتقسيط، وقد بدا الكلّ متسامحاً، حتّى المصارف نفسها التي لا تعطي الناس أموالها. بعضُ هذه المصارف لم تعد تُزعج مودعيها مباشرة بعد استحقاق مواعيد سداد القروض. فترة السماح تطول لأنّ المواطن لا يستطيع أن يدفع ما لا يحصل عليه منها. كما أنّ بعض المودعين توقفوا عن الدفع.

عدد من المؤسسات، وإن كانت قليلة، باتت تدفع للموظفين رواتبهم نقداً. كلّ ذلك التسامح لا يُلغي أن الجميع يعيشون تقشّفاً إجبارياً، وتقسيطاً ربّما يكون مريحاً لالتزاماتهم، من قروض وأقساط مدرسية وغيرها. وحتى المدارس التي عوّدها الأهل الالتزام في دفع الأقساط، ستُظهر تسامحاً، أو تقبل بالتقسيط غير المتّفق عليه سلفاً، استناداً إلى قيمة المبالغ التي يمكن للناس سحبها من المصارف.

قبل أيّام، كان أحد الأشخاص الذي يعمل سائقاً لدى منظمة عالمية، يقول إن أحد المصارف خفّض قيمة سحب المال بالدولار من 300 دولار أسبوعياً إلى 300 دولار خلال أسبوعين. على الرغم من ذلك، هدأت أصوات الناس، أو أنها تعبت من الصراخ، كما أنه ما باليد حيلة، والجميع سواسية في هذه الإجراءات بشكل أو بآخر.

مُدهشة هذه القدرة على التأقلم مع المتغيرات المعنية بلقمة العيش. المشهد المتخيّل في أزمة كهذه ليس أقل من البقاء في الشارع ليلاً نهاراً. هل من ذلّ أكبر من سرقة مال أحدهم، ثمّ الإشفاق عليه وإعطائه جزءاً من ماله حتّى لا يموت جوعاً؟ ما يتقاضاه اللبنانيون من المصارف بالكاد يؤمّن الاحتياجات الأساسية. والتبضّع الشهري من المتاجر بات يقتصر على الأساسيات والمواد الأرخص ثمناً.



إلا أن الناس يتأقلمون مع كل شيء وكأن شيئاً لم يكن، أم هو التصالح مع الواقع، حتى لو انتظر الزبائن وقتاً طويلاً في المصرف قبل أن يتمكنوا من سحب مائة دولار؟ وفي إطار السخرية، يردّد بعض اللبنانيين: "مصرفي أقوى من مصرفك".

كان السائق يقول إنه لن يعترض إذا ما عاد المصرف إلى قراره السابق. وهذا مثل القبول بالسيّئ الذي اعتدنا عليه خشية الأسوأ. إلا أن الناس في البيوت تفكّر في كيفية التأقلم مع الواقع الجديد، والواقع الذي يليه. ثمّة قدرة على التأقلم بالوراثة. ويبدو أن أصحاب القرار يُدركون الأمر جيّداً، بل إنهم يستفيدون منه ولا يترددون في فرض عقاب جماعي على الناس من خلال لقمة عيشهم.

والناس في لقاءاتها تنتظر الأسوأ، بل تتوقّع أن يُصبح غذاؤها محدود العناصر. حتّى اللحوم قد تصير ترفاً. لكن "ماشي الحال". سيعتادون. أليس كل شيء عادة؟

المساهمون