دموع هشة جداً

دموع هشة جداً

17 فبراير 2020
أزمة بقاء بالنسبة له (حسين بيضون)
+ الخط -

عند كلّ حدث مفصلي تمرّ به البلاد، وهو أمر يتكرر كثيراً هنا، ما بين حروب إقليمية أو صراعات أهلية أو أزمات اقتصادية أو انهيارات اجتماعية أو حتى عواصف مناخية، يصير التفكير في الفئات الأضعف، وهي كثيرة، ضرورياً. وهو ضروري لفهم تأثيرات أحداث مماثلة على هذه الفئات المهددة بالخطر في مواجهتها.

في ظل الأزمات، مهما كان نوعها، تنفض المنظومة الحاكمة يديها وتعيد ترتيب أولوياتها من دون الانتباه إلى هذه الفئات، التي ليست لها مساحة وازنة في قاموس المنظومة بالأصل.
هل سمعتم مثلاً مسؤولاً واحداً تحدث عن الخيم التي ينام فيها اللاجئون في صقيع العاصفة التي حلّت أخيراً؟ ماذا يعرف المسؤولون عن صرير أسنان الأطفال أو الصقيع الذي يخترق جلدهم كالنصل ليصل إلى العظام؟ ماذا يعرفون عن الحرارة التي يبحث عنها الصغار في مدفأة يجف فيها المازوت طوال الوقت أو نار لا تجد ما يوقدها؟ ماذا يعرفون عن الجلد عندما يستحيل جافاً ومشققاً وأزرق اللون؟

من علامات الأسى التي نعيش فيها أنّ أي اهتزاز في المنظومة التي تحكمنا، لا بد أن ينعكس على الفئات الهشة. يحدث ذلك بالأساس لأنّ العملية التي تسير فيها هذه المنظومة ليست طبيعية، بل هي تعمل بأقل قدرة ممكنة مع كلّ ما يشوبها من فساد ونفعية وفئوية وأسباب كثيرة لن تكفي هذه المساحة لتعدادها. فعندما تكون المنظومة التي تسيّر حياتنا نفسها بهذه الهلامية يصير مفهوماً تجمّدها وربما انهيارها عند كلّ حدث جديد. فكيف إذا كان هذا الحدث بحجم أزمة مالية تهدد البلاد بالانهيار التام؟

في وضع مشابه، لا يعود العلاج الذي يحصل عليه الأطفال في مركز سرطان الأطفال في لبنان ووصوله إليهم بشكل عادي شأناً عادياً. فهذا مركز يعتمد بشكل أساسي على التبرعات. ولا يعود الراتب التقاعدي للزوج المتوفى والذي تعيش منه الأرملة، وتعاني للحصول عليه من المصرف، شأناً عادياً. لا يعود سعر الدواء الذي يدّخره المريض شأناً عادياً. لا تعود المفاضلة بين شراء سندويش من المطعم القريب وبين شراء كميات من الحبوب والسكر للأطفال في المنزل بنفس القيمة شأناً عادياً. لا يعود كلّ تفصيل في حياة هؤلاء الناس شأناً عادياً.




الحقيقة الواضحة هي أنّ هذه الأزمة التي نمر بها كشفت كيف تعتمد الفئات الضعيفة بعضها على بعض كي تتمكن من الاستمرار. وكشفت كيف أنّ هذه الأزمة لا تقع على الجميع كما يتحفنا العديد من أصحاب ربطات العنق على شاشات التلفزيون.

إنّها في الحقيقة أزمة بقاء بالنسبة إلى الفئات الأكثر ضعفاً وهشاشة.

المساهمون