عدد أفراد الأسرة التركية يتراجع

عدد أفراد الأسرة التركية يتراجع

17 مايو 2019
تشجع الدولة التركية على إنجاب المزيد من الأطفال(مورات سيتينمهردار/الأناضول)
+ الخط -

يتناقص عدد أفراد الأسرة التركية، بسبب عوامل اقتصادية وثقافية، بالرغم من البرامج التي أطلقتها الحكومة منذ سنوات، حتى وصل متوسط حجم الأسرة الواحدة إلى 3.4 أفراد لا أكثر

انعكست الأوضاع الاقتصادية والثقافية على عدد السكان في تركيا، بعد تراجع نسبة الزواج خلال السنوات الأخيرة وارتفاع نسبة الطلاق ومعها العزوف عن الزواج. هذا الوضع دفع حكومة "العدالة والتنمية" لاستشعار الخطر، فشرعت لتغيير بعض السياسات والقوانين القديمة، ومنح المتزوجين تسهيلات وتشجيعات، وصلت إلى المنح المالية، للتشجيع على إنجاب أكثر من طفل واحد. وبلغ متوسط حجم الأسرة في تركيا خلال عام 2018، نحو 3.4 أفراد، بحسب تقرير أخير لمؤسسة الإحصاء التركية، التي أشارت إلى أنّ عدد أفراد الأسرة تراجع إلى هذا الحدّ من 3.6 أفراد عام 2014.




بدأت قيم جديدة، يصفها البعض بالمستوردة، تدخل على المجتمع التركي، منها المساكنة أو الزواج مع قرار مشترك بين الزوجين بعدم الإنجاب، أو الاقتصار على إنجاب ولد واحد، وذلك لأسباب تتراوح بين الاقتصادي والثقافي المجتمعي. وتعتبر عازفة الكمان شولي (28 عاماً) أنّ الزواج، خصوصاً ضمن الظروف الحالية "قتل للأحلام ودخول في مسؤوليات غير ضرورية". تشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "الحياة أبسط وأقصر من أن نلتزم بثقافات قديمة مبنية على الزواج وإنجاب كثير من الأطفال، لأنّ ذلك يبقي المرأة داخل جدران المنزل من دون أن تستمتع بحياتها وتعيش الشهرة والنجاح". تضيف شولي: "تبدلت ثقافة المجتمع التركي، وهذا ما لا تريد الدولة أن تفهمه، فبصرف النظر عن الظروف الاقتصادية التي لا تشجع على الزواج والإنجاب، هناك حقوق للمرأة بالعمل والاستقلالية، وبذلك، فالزواج خصوصاً في سنّ صغيرة، يصادر تلك الحقوق".

على المقلب الآخر، تقول عائشة نور: "لم يكن الزواج يوماً يعيق أحلام المرأة، بل على العكس، يكمل أنوثتها عبر الأمومة، لكن ليس شرطاً أن تتزوج قبل إتمام تعليمها أو تكثر من الإنجاب لتتحول إلى مربية فقط". حول ما تقوله بعض الفتيات من حلول المساكنة أو اتفاق الزوجين على عدم الإنجاب، تضيف نور لـ"العربي الجديد": "الحرية لهن في أن يقلن ما يردن، لكنّ هذه القناعات، في رأيي، تتعلق بالعمر والبيئة الاجتماعية التي تعيشها الفتيات، وسرعان ما تتبدل القناعات، حين يكبرن ويتراجع جمالهن وجاذبيتهن".

من جهته، يعتبر رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة "ابن خلدون" في إسطنبول، رجب شان تورك، أنّ أسباب تراجع عدد أفراد الأسرة التركية عديدة، منها الاقتصادي والاجتماعي، ما امتد إلى طابع العمارة حتى. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "المجتمع التركي يسير باتجاه التحديث وتبني نموذج الأسرة الأوروبية، أي إنجاب طفل واحد أو اثنين في أقصى حدّ. كذلك، بدأنا نرصد حالات رفض الزواج، ودعوات إلى المساكنة، أو حتى الاقتران المثلي، بالرغم من أنّها حالات محدودة حتى الآن وطارئة على المجتمع التركي".

يشير إلى أنّ العامل الاقتصادي أساسي في العزوف عن الزواج، فقد تراجع مستوى معيشة ودخل الأتراك بعد التضخم النقدي: "نشهد ارتفاع أسعار البيوت والأثاث المنزلي وحتى تكاليف الزواج، ما يخلق حاجزاً نفسياً لدى شريحة الشباب، يدفعهم إلى إلغاء مشروع تأسيس أسرة، أو إرجائه على الأقل". يتابع: "ربما لا يقل السبب الثقافي أهمية عن السبب الاقتصادي، إذ بدأنا نلحظ كمتخصصين بعلم الاجتماع، تفشي ثقافة التلذذ والاستقلال بالحياة الفردية والانتقاص من قدر المرأة المتزوجة أو المنجبة لأكثر من ولدين، وهناك نتائج دراسات واستطلاعات تشير إلى تزايد من يعتبرون أنّ الحياة الزوجية تعيق الحرية الشخصية وتغرق الشاب بعبء الأولاد ومسؤولياتهم". يلفت شان تورك كذلك، إلى أنّ تراجع الزواج والإنجاب، انعكس في تركيا على طابع العمارة: "بدأنا نرى تزايداً في البيوت الصغيرة، يشير إلى ضرورة تدخل الدولة عبر نواحٍ عدة، تبدأ من تحسين مستوى المعيشة ولا تنتهي عند برامج توعوية تتصدى للثقافة المستوردة".

استشعرت تركيا ومنذ سنوات، مخاطر العزوف عن الزواج وتراجع الإنجاب، فبدأت بتقديم قروض للزواج، وسهلت شراء المنازل عبر قروض مصرفية ميسرة وبنسب فائدة تكاد تكون معدومة، بل بدأت العام الماضي بتقديم هدايا للأطفال، تتزايد كلما يزاد الإنجاب. وبدأت الحكومة منذ ثلاثة أعوام، كذلك، بجملة من الحوافز المشجعة على الزواج والإنجاب، كدعم الرعاية النهارية للأمهات اللواتي لديهن أطفال تتراوح أعمارهم ما بين 2 و5 سنوات، بالإضافة إلى الحوافز المادية، كما طالب رئيس الدولة رجب طيب أردوغان في أكثر من مناسبة، بضرورة أن تنجب الأسر التركية ما لا يقل عن ثلاثة أطفال. ومنحت الحكومة، بناء على تعليمات رئيس الوزراء، قطعة ذهبية بقيمة 300 ليرة تركية (49 دولاراً) للمولود الأول، وقطعة ذهبية للمولود الثاني بقيمة 400 ليرة (66 دولاراً)، وبعد المولود الثالث تقدم قطعة ذهبية بقيمة 600 ليرة (98 دولاراً). كذلك، اتخذت تركيا خلال السنوات الماضية، إجراءات عدة لدعم المرأة العاملة المتزوجة. وبعد منحها تخفيضاً لساعات العمل إلى النصف في الفترة الأولى بعد الولادة، وتقديم دعم مالي للمرأة العاملة لتوفير من يعتني بطفلها، قدمت الحكومة العام الماضي 2018 أجراً شهرياً لكلّ جدة ترعى أحفادها.




كلّ هذا لم يغيّر من قناعات الأتراك، إذ انخفض عدد حالات الزواج المُسجّلة في تركيا خلال عام 2017 بنسبة 4.2 في المائة، مقارنةً بالعام 2016، كما ارتفع عدد حالات الطلاق بنسبة 1.8 في المائة، في الفترة نفسها.