ضحايا الحرب من المدنيّين الليبيّين مغيبون

ضحايا الحرب من المدنيّين الليبيّين مغيبون

24 ابريل 2019
يعاينون الأضرار (حازم تركيا/ الأناضول)
+ الخط -

ما من إحصائيات دقيقة في ليبيا تُبيّن أعداد الضحايا المدنيين خلال الحرب. وكان لافتاً تضارب الأرقام في الهجوم الذي استهدف أخيراً حي أبو سليم

ما زالت الحرب تحصد الأرواح وتهدّد حياة المدنيين في معظم المناطق الجنوبية في العاصمة الليبية طرابلس، إضافة إلى الأحياء السكنية البعيدة التي تعرضت مرات عدة لقصف عشوائي لم يفرق بين مدني وعسكري. ويتوجّه الاهتمام الرسمي، سواء الداخلي أو الدولي، إلى تحديد أعداد الوفيات والجرحى في صفوف العسكريين والمقاتلين، من دون الحديث عن المدنيين إلا ضمناً، أو الاكتفاء بالإشارة إلى ارتفاع أعداد النازحين منهم.

وفي آخر إحصائيات منظمة الصحة العالمية، بلغت حصيلة ضحايا المعارك 227 قتيلاً و1128 جريحاً. كذلك، تزايدت أعداد النازحين لتفوق 30 ألف نازح. وسعت "العربي الجديد" للحصول على أرقام محددة للإصابات البشرية في صفوف المدنيين، لكنّ الجهات المسؤولة في وزارة الصحة التابعة لحكومة الوفاق الوطني أشارت إلى نيّتها تحديد عدد الإصابات قريباً، عازية السبب إلى توجيه جهودها لتقديم المساعدات الإغاثية للنازحين أو الإسعافات الطبية أو العمليات الجراحية للمصابين.

يقول عضو لجنة الأزمة في بلدية طرابلس ناصر الكريوي، إنه إثر تعرّض حي أبو سليم في طرابلس لقصف صاروخي، ليل الثلاثاء الماضي، بينت الأرقام سقوط 11 قتيلاً و52 جريحاً، مضيفاً أن القتلى العسكريين ستة والمصابين 15 والبقية من المدنيين.

وأفادت منظمة الصحة العالمية بأن الطواقم الطبية أجرت 152 عملية جراحية، من بينها 89 عملية استغرقت وقتاً لإنقاذ حياة المصابين في المعارك، من دون أن تحدد نسبة المدنيين الذين حصلوا على هذه المساعدات الطبية.



من جهتها، تقول أسرة رهام بوشيبة، لـ"العربي الجديد"، إنها عادت قبل يومين من رحلة علاجية إلى تونس بعد إصابة رهام برضوض من جراء تكسر زجاج منزلها إثر القصف الصاروخي الذي تعرض له حي أبو سليم. ويقول الوالد لـ"العربي الجديد": "الصدمة جعلتنا نسافر إلى تونس بعد تلقي الإسعافات الأولية في مستشفى الحوادث في أبو سليم"، مضيفاً أن "أربع حالات أخرى تعرضت لإصابات بليغة من جراء القصف تم تحويلها إلى العلاج في تونس، لكن المصابين لم يتلقوا أي مساعدة حكومية للعلاج، وما زالوا موجودين في أحد المراكز الصحية التونسية".

ولوحظ تضارب في الأرقام التي أعلنها مسؤولو جهاز الإسعاف والطوارئ، وتلك التي أعلنها عميد بلدية أبو سليم، ليلة قصف الحي. وفي وقت يؤكد جهاز الإسعاف والطوارئ أن حصيلة القتلى أربعة والإصابات تفوق العشر، يقول عميد البلدية عبد الرحمن الحامدي، إن القتلى لا يقلون عن ثمانية، إضافة إلى نحو عشرين مصاباً.

إلّا أنّ عبد المنعم باره، الطبيب في مركز الطب الميداني والدعم التابع لحكومة الوفاق، يؤكّد أنّ التقديرات تشير إلى وجود 21 قتيلاً في صفوف المدنيين منذ بدء المواجهات في جنوب طرابلس، في الرابع من إبريل/ نيسان الجاري، إضافة إلى 34 مصاباً. ويوضح باره لـ"العربي الجديد"، أنّ "بعض الحالات تعرّضت لإصابات بليغة وصلت إلى حدّ بتر الأعضاء. لكن معظم الجرحى غادروا مستشفيات البلاد بعد الشفاء، أو انتقلوا إلى دول مجاورة للعلاج".
ويعترف باره بالارتباك الذي تعيشه الجهات الحكومية من جراء تسارع وتيرة الحرب. يقول: "طبيعي جداً في بلد متأزم أن تكون هناك حالة من الارتباك. لكن من جهة أخرى، يجب الإشارة إلى أن الكثير من الأطباء كانوا ضمن طواقم تطوعت لعلاج المصابين"، موضحاً أن الفرق الطبية تطوعت للعمل في مستشفيات الحوادث والمركزي ومصحة النفط.

وعن الجهود الحكومية، يتحدث عن وجود تقصير كبير في ظل عدم التنسيق بين جهاز الإسعاف والهلال الأحمر والمراكز الطبية، لافتاً إلى أن جهات أخرى تبرعت بالانضمام إلى حملات الإغاثة الطبية كفرق الكشافة.

كذلك، يتحدث باره عن ضرورة تنويع الدعم الطبي وتقديم الدعم النفسي لمساعدة الأطفال على تجاوز صدمات الحرب. ويقول: "يجب الاستعانة بمعالجين نفسيين، لأن الجانب النفسي مغيب تماماً عن الجهود الحالية"، لافتاً إلى أن فرق الكشافة بلّغت عن إصابة بعض الأطفال في مراكز إيواء النازحين.



وعن مدى إمكانية وجود إحصائيات دقيقة ورسمية، يقول: "لا أعتقد أن ذلك وارد الآن أو ممكن. التشتت، على الرغم من الجهود الكبيرة، طبيعي. كما أن غياب قواعد بيانات لدى وزارة الصحة والجهات الحكومية الأخرى يقلّل من فرص وجود مثل هذه الإحصائيات"، مشيراً إلى أن لجوء مواطنين للعلاج في مستشفيات الدول المجاورة، وتحديداً تونس، حدّ من إمكانية إجراء إحصائيات دقيقة.

ويؤكد باره أنّ الجهات الحكومية أوفدت عشرات المصابين من المقاتلين إلى مستشفيات في دول الجوار من دون تحديد أو إحصاء أعدادهم. وعن الأرقام التي تعلنها منظمة الصحة العالمية، يشير إلى احتمال أن تكون دقيقة، "المنظّمة لديها القدرة على التواصل داخلياً وخارجياً. كما أنّ فرقها ولجانها لا تقارن قدراتها مع قدرات الحكومة التي تعيش مواجهات عسكرية وسياسية، ما يؤدي إلى تشتيت الجهود بشكل كبير".

وبحسب جهاز الإسعاف والطوارئ، فإن الحكومة والهلال الأحمر يعملان على إجلاء العائلات العالقة في مناطق الاشتباكات بسبب تعدد ساحات المعارك، واتساع رقعة المناطق المرشحة لأن تكون مسرحاً للقتال. إلّا أن جهاز الإسعاف يؤكد على بذل قصارى الجهود لإنقاذ حياة المدنيين وتمكينهم من الوصول إلى نقاط آمنة بعيداً عن مناطق التوتّر.