"سوق الخلنج" في عين الحلوة

"سوق الخلنج" في عين الحلوة

06 مارس 2019
الأسعار زهيدة جداً هنا (العربي الجديد)
+ الخط -

يعيش أهالي مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، في مدينة صيدا، عاصمة الجنوب اللبناني، أوضاعاً اقتصادية صعبة جداً، بسبب التضييق القائم من الدولة اللبنانية على الشباب الفلسطينيين إذ تحرمهم من العمل في عشرات الوظائف، فتصبح الشهادات التي يحملونها أكانت مهنية أو جامعية مجرد أوراق لا فائدة لها في كثير من الأحيان. هذا الوضع يصعّب عليهم مهمة توفير ما يحتاجونه من أمور أساسية حتى. كذلك، يعاني الأهالي من تقليصات متكررة في تقديمات وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

حتى الملابس باتت بالنسبة لمعظم سكان المخيم المسحوقين، من الكماليات، إذ بات شراؤها صعباً، فالأولوية تنصبّ على تأمين المبالغ المطلوبة لإيجارات المنازل، ولشراء المواد الغذائية. في هذا الإطار، انطلقت مبادرة من مركز البرامج النسائية في المخيم، بالتعاون مع منظمة "فابريك أيد" تقوم على تنظيم "سوق الخلنج" في المخيم لبيع الملابس المستعملة (على الرغم من أنّ كلمة خلنج تعني "غير المستعمل" في اللهجات الشامية) للجنسين كباراً وصغاراً، بالإضافة إلى الأحذية، ولا يتجاوز سعر أيّ قطعة في السوق مبلغ 3 آلاف ليرة لبنانية (دولارين أميركيين).

تقول مديرة مركز البرامج النسائية في المخيم، أم حسام المصلح، وهي في الأساس من المنشية بعكا: "فكرة السوق حتّمها الوضع المعيشي المتردي لدى أهالي المخيم، وذلك بسبب عدم تمكن الشباب من الحصول على فرص عمل، فهناك العديد منهم ممن تخرجوا من الجامعات ولم يتمكنوا من العمل حتى اللحظة، كما أنّ معظم الشباب ممنوعون من العمل بمهن عديدة. وبما أنّ الناس يفكرون بدفع مالهم لتأمين ما هو أهم، ارتأينا أن نقيم سوقاً للملابس المستعملة بأسعار زهيدة تساعد الناس في شراء بعض احتياجاتهم". تتابع: "ليست فكرة جديدة، بل نظمتها قبلنا مؤسسة في بيروت، ونفذتها في مخيم برج البراجنة (في الضاحية الجنوبية لبيروت) مع مركز البرامج النسائية هناك. تواصلنا مع المركز، ونسقنا لإطلاق السوق في عين الحلوة، فلقي ترحيباً كبيراً. وبالرغم من أنّ الطقس كان ماطراً في اليومين اللذين نظم فيهما، فقد كان الإقبال كبيراً من الأهالي".



تضيف أم حسام، لـ"العربي الجديد"، "مركز البرامج النسائية الذي بدأت في إدارته عام 2002، يقوم على خدمة الناس. في نشاط سابق، وزعنا 10.021 قميصاً جديداً، لأعمار تبدأ من 12 عاماً، لكنّها كانت مقدمة إلينا كتبرعات. أما مبادرتنا الحالية فمختلفة، ونهدف من ورائها إلى التخفيف من الأعباء التي تثقل عن كاهل الناس مع توفير ملابس كلّ فترة لبيعها". وترى أم حسام أن السوق نجح بنسبة 80 في المائة، لأنّ العديد من الناس استفادوا من هذا السوق، لكنّها تعتبر أن السوق واجهته عقبات منها سوء الأحوال الجوية، واقتصاره على يومين فقط. مع ذلك، ستعمل مع الشركاء على تكرار هذه التجربة، وستعمل على مراعاة الأحوال الجوية والاجتماعية. وتطلق أم حسام صرخة تطلب فيها من الدولة اللبنانية فتح أبواب العمل أمام الشباب الفلسطينيين الذين يسعون إلى الهجرة جراء التضييق عليهم، بحرمانهم من حق العمل، كما توجه كلمة إلى وكالة "أونروا" التي قلصت من خدماتها الصحية والاجتماعية وغيرها.

من جهتها، أم أحمد، وهي أم لخمسة أولاد كانت من زبائن السوق الذي فتح أبوابه أمام الزائرين، واشترت خلال اليومين بما تمكنت من توفيره من مال. إمكاناتها المادية لا تساعدها في شراء كلّ ما تحتاجه بالرغم من الأسعار الزهيدة. تقول لـ"العربي الجديد": "أنا سعيدة بالسوق، لأنّه فتح المجال أمام الفقراء لشراء ملابس جديدة لأولادهم، حتى وإن كانت مستعملة، لأنّ الفقراء لا يستطيعون شراء الملابس الجديدة إلاّ في عيد الفطر، وعدد أولادي خمسة، وزوجي بالكاد يستطيع أن يوفر لنا ما نحتاج إليه من مأكل، فهو يعمل في البناء، بشكل متقطع، وقد تمرّ أيام من دون أن يعمل، لعدم توافر فرص العمل دائماً خصوصاً في الشتاء". أما ليال، فقد زارت السوق، واكتفت بالاطلاع على المعروضات، وقد أعجبتها الملابس، لكنّها لم تتمكن من شراء أيّ قطعة، لأنّها لا تملك المال: "فكرة السوق جيدة، لكنّ المطلوب قبل ذلك أن يتوفر لدينا المال لشرائها".




لم يعد للشباب الفلسطينيين في لبنان من فرصة حياة إلاّ عن طريق السفر إلى البلدان الأوروبية التي قد تستقبلهم وقد لا تستقبلهم، وعلى الأرجح لن يتمكنوا من الوصول إليها في الأساس، وربما يموتون في عرض البحر خلال محاولتهم، كما حصل في العديد من المرات، من دون أن تتحرك الدولة لرفع الغبن عنهم، والمنظمات لتحسين أوضاعهم.

المساهمون