الفقر البيئي

الفقر البيئي

24 مارس 2019
في ولاية كردفان (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

أن تتصحّر السافانا (سهل عشبي) الفقيرة، فذلك مما يقبله العقل ويردّه إلى موجة الجفاف التي ضربت حزاماً واسعاً من أفريقيا قبل أن يهل علينا القرن الحالي بتحولاته التي لا تُحصى. لكن، أن تغزو الصحراء السافانا الغنية، ويتهدد الإقليم المداري الفقر البيئي، فذلك ما يستدعي مواصلة قرع الأجراس، ويحتّم إيجاد الحلول.

كردفان من ولايات السودان التي عُرفت بمواردها الوفيرة حد التغنّي (كردفان الغرّا.. أم خيراً جوه وبره)، في إشارة إلى حيواناتها وغاباتها. في شمالها، تخدّدت الرمال بمجاري المياه مانحة الحياة، وحافظة التنوع الحيوي. أودية وأنهار موسمية كان من بينها ما يرفد نهر النيل (وادي المقدّم والملك وأبو حبل)، ومنها ما ظل يروي السهول، ويزيد معدلات المياه الجوفية، ويغذّي البحيرات الصغيرة والكبيرة، كتلك التي ميّزت مدينة (الرهد.. أبو دَكَنة) ذات الخضرة الداكنة بفضل كثافة أشجارها.

عن غربها تحدثك المراعي الشاسعة حيث أضخم الثروات الحيوانية من إبل وأبقار وضأن، اشتهرت بجودة لحومها لاعتمادها على المراعي الطبيعية. وتتوزع حول مجاري السيول الغابات المتشابكة. وتتمدد عبر سهولها مزارع المحاصيل النادرة، من قبيل الصمغ العربي، والكركديه، والفول السوداني وغيرها.

أما جنوب كردفان حيث الجبال والغابات، وموارد باطن الأرض، فقد ظل عصيّاً على التهديد البيئي حتى استعرت الحرب، واختلط النزوح باللجوء. ففي كادقلي، إحدى كبريات مدن التماس، تكاد الخُضرة التي تكسو أفراد القوات النظامية في أزيائهم الرسمية تتفوق على الغطاء النباتي. في هذا المنحى، علّق مدير غابات الولاية أن هناك 52 معسكراً للجنود، بينما يشكو مسؤول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من عدم قدرته على تشييد معسكر واحد لهؤلاء القادمين من جنوب السودان ودول الجوار الأفريقي حتى يتسنى للمنظمات العالمية تقديم الخدمات لهم، بعدما فرضت السياسات المحلية عليهم الاندماج مع السكان خوفاً من تكرار مأساة دارفور.



ظل هؤلاء في القرى وحولها، وأولئك في معسكراتهم يعتمدون على الغابات في كل شيء، فقد باتت مصدراً للرزق، وسبيلاً لسد الحاجة، وفرصة للاغتناء لدى من يملك السلطة والسلاح. وعند الحديث عن القوانين التي تحمي الموارد، يبرز السؤال حول من ينفذ القانون في ظل اختلاط وتداخل مستويات الحكم، واعتبار المنطقة منطقة حرب، يعلو فيها صوت السلطة العسكرية على سواها؟

ازداد البلاء على كردفان باكتشاف النفط والذهب، ووفقاً لمنطق "تموت ألف شجرة ولا يموت شخص واحد". ومع وضع التعدين كأولوية اقتصادية للدولة، بات التهديد يشمل كل شيء. وتحت أقدام "غول" الاستثمار، طمرت الغابات والمراعي. ولم تعد كردفان تمنح خيرها لمن فيها.

* متخصص في شؤون البيئة