خالد الجامعي... تونسي يحوّل الحلفاء إلى حقائب نسائية

خالد الجامعي... تونسي يحوّل الحلفاء إلى حقائب نسائية

تونس

مريم الناصري

avata
مريم الناصري
23 نوفمبر 2019
+ الخط -

كلّ شيء في المكان يعيدك إلى زمن سابق في تونس. محلّ صغير في أحد أزقة المدينة العتيقة بالقرب من جامع الزيتونة، في تونس العاصمة، جدرانه تتداعى. سقفه مقوس في تصميم قديم معهود. يعجّ ببضائع يكاد لا يستوعب عددها. لكن، بالرغم من بساطة المكان وقدمه فإنّ خالد الجامعي جعل منه ورشته الصغيرة لصنع حقائب نسائية فاخرة بلمسات إبداعية فنّية منذ أكثر من 20 عاماً.

خرج خالد بحرفته عن المألوف في صناعة الحقائب النسائية التي كانت تقتصر فقط على استعمال الجلود أو بعض الأقمشة، ليبتكر حقائب جديدة مصنوعة من نبتة الحَلفاء. يقول إنّه بدأ حرفته عام 1992، ليطوّر بعدها ما هو تقليدي إلى حديث، محافظاً على الطابع التونسي، معتمداً في الأساس على نبتة الحلفاء التي كان قديماً يصنع منها السجاد والقفاف والحصر التي تفرش في المساجد.

تنتشر نبتة الحلفاء في شمال أفريقيا بكثرة، وتغطي مساحات كبيرة في تونس لا سيما في المناطق القاحلة الصحراوية بالجنوب، وفي جبال وهضاب الوسط الغربي التونسي الذي يشمل محافظات قفصة والقصرين وسيدي بوزيد والقيروان، على مساحة تمتد أكثر من 350 ألف هكتار، منها أكثر من 180 ألف هكتار بمحافظة القصرين فقط، والتي تمثل نحو 25 في المائة من مساحة الأراضي الزراعية بهذه المحافظة. لذلك، احتلت الحلفاء مكانة اقتصادية كبيرة في تونس منذ القدم، فمنها يستخرج الورق تحديداً، وتحولها أيادي الحرفيين إلى منتجات عدة لا سيما القفة التونسية وأوراق السجائر وصناعة النسيج والسروج والسجاد. وتمثّل مورد رزق كبيرا للتونسيين في مختلف المناطق التونسية، إذ تعمل مئات النسوة في تجميعها من الجبال منذ فصل الخريف إلى أواخر الشتاء. وتسلّم الكميات إلى مراكز تجميع تابعة للشركة الوطنية لعجين الحلفاء والورق، فيما يبيع البعض الآخر ما يجمعه إلى الحرفيين وبعض المصانع الأخرى. وتخضع عادة نبتة الحلفاء إلى مراقبة إدارة الغابات لحماية النبتة التي يمنع تجميعها في الصيف.



خالد الجامعي يعتمد على نبتة الحلفاء بعد نسجها في المصانع حتى تتحوّل على شكل بساط متين وليّن سهل التطويع، فتكون ذات ألوان متشابهة ما بين الأخضر الداكن أو البني، أي اللونين الطبيعيين لنبتة الحلفاء من دون اللجوء إلى تغيير لونها. يبدأ عمله يومياً منذ الصباح في أزقة المدينة العتيقة. ينطلق في البداية برسم شكل وحجم الحقيبة ليبدأ في تشكيل أجزائها الصغيرة وقصّها ثمّ إلصاقها وخياطتها في ما بعد حتى يشكّل الحقيبة التي رسمها. يعتمد في الزينة بعض الجلود الملونة لتحديد الإطار الخارجي للحقيبة، بالإضافة إلى بعض الأقمشة على غرار الحرام التونسي الذي يصنع غالباً من الحرير. كذلك، يزينها ببعض الأكسسوارات الخاصة بالمجتمع التونسي على غرار "الخمُسة" و"الخلال" و"النجمة" و"الهلال" وغيرها من الأشكال التي تميّز الحلي التونسية البربرية، ليستغرق ما بين ساعتين وأربع ساعات في صنع الحقيبة الواحدة.



يقول خالد إنّه يحافظ بشكل كبير على الطابع البربري الأمازيغي خلال تزويق الحقائب، لذلك يتمكن من ترويج بضاعته في كامل المحافظات التونسية. يضيف أنّ العديد من المنتوجات التقليدية التونسية باتت تنافسها البضائع الصينية المقلدة التي تباع في الأسواق. لكنّ العديد من المنتوجات الأخرى لم تستطع الصين تقليدها لأنّها مصنوعة في الأساس من مواد بيولوجية على غرار الحلفاء والسعف الذي يستخرج من النخيل وهو ما يصعّب تقليدها نظراً لعدم القدرة على توفير المواد الأساسية لصناعتها. لذلك، فإنّ كلّ الحقائب التي تروّج في السوق التونسي هي بضائع محلية الصنع بأيادي حرفيين تونسيين كلّ بحسب طريقته. يؤكد أنّ معظم البضائع المنتشرة في البلدان القريبة، تونسية الأصل، فقد ظهرت الحرفة في تونس العاصمة أولاً ثم انتشرت في أغلب المدن العتيقة بالمحافظات التونسية.




لا يعرض خالد بضاعته في محلّه الصغير فحسب، بل في كامل أنحاء الجمهورية في محال تجارية عديدة، لا سيما أسواق بيع لوازم الأعراس. وهكذا، تلقى بضاعته رواجاً كبيراً وفق قوله. يضيف أنّه لاحظ انتعاشاً للصناعات التقليدية خلال السنوات الثماني الأخيرة مقارنة بالسنوات السابقة، خصوصاً أنّ ما يصنعه يلقى استحساناً كبيراً من نساء تونس اللواتي يقتنين الحقائب لاستعمالات مختلفة، بحسب حجمها وشكلها. في ما يتعلّق بالدعم، يقول خالد إنّ الدولة لا تدعم الحرفيين التونسيين، مشيراً إلى أنّه لا يقصد الدعم المادي في الأساس، بل التعريف بالمنتج، إذ إنّها لا تعرّف بالحرفيين وبمنتجاتهم في الأسواق الخارجية أو في إعلاناتها السياحية كما يقول، بالرغم من أنّها حرف تميّز تونس، والسائح في الغالب يبحث عن منتجات تقليدية من هذا النوع.

دلالات

ذات صلة

الصورة
مطالبة بإنهاء الإبادة الجماعية في قطاع غزة (حسن مراد/ Getty)

مجتمع

يسعى أساتذة في تونس إلى تعويض غياب العملية التعليمية الجامعية بالنسبة للطلاب الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي، من خلال مبادرة تعليمية عبر منصات خاصة.
الصورة
جابر حققت العديد من النجاحات في مسيرتها (العربي الجديد/Getty)

رياضة

أكدت التونسية، أنس جابر نجمة التنس العربي والعالمي، أن تراجع نتائجها في المباريات الأخيرة، يعود إلى إصابة قديمة منعتها من تقديم أفضل مستوى لها.

الصورة
يدفع المهاجرون مبالغ أقل للصعود على متن القوارب الحديدية

تحقيقات

بحثاً عن الأرخص، تصنع شبكات تهريب البشر الناشطة في تونس قوارب حديدية من أجل نقل المهاجرين غير الشرعيين عبرها إلى أوروبا بكلفة أقل، إذ تنفق مبالغ بسيطة على بنائه
الصورة
أكد المشاركون أن الثورة شهدت انتكاسة بعد انقلاب قيس سعيد (العربي الجديد)

سياسة

أكدت جبهة الخلاص الوطني، اليوم الأحد، خلال مسيرة حاشدة وسط العاصمة تونس، أن البلاد في مفترق طريق ولا بد من قرارات مصيرية حتى لا تذهب نحو الانهيار.