معاناة في الجنوب التونسي

معاناة في الجنوب التونسي

24 يوليو 2018
تشقى من دون أن تؤمّن رزقها (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

يرتفع منسوب الاحتقان الاجتماعي في الجنوب التونسي مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، ومع فقدان الأدوية وقطع المياه الصالحة للشرب.

يشكو أهالي الجنوب التونسي من مأساة أجيال متعاقبة نتيجة الفقر والتهميش والبطالة. بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ لمعاناتهم شكلاً مختلفاً لن تفهمه أقاليم البلاد الأخرى التي لم تتذوّق الظروف الطبيعية القاسية، وشمس الصحراء الحادة، وأزمة مياه الشرب، وصعوبات التنقل، وانعدام التنمية في منطقة تزخر بالثروات الطبيعية مثل البترول والغاز بحسب سكانها. ويطالب الأهالي بالعدالة الاجتماعية وتوزيع أكثر عدالة لثروات البلاد. وتعيش مدن الجنوب التونسي وقراه الصحراوية والحضرية على أمل التمييز الإيجابي الذي نصّ عليه دستور الثورة بعدما ضحّت المنطقة بعشرات الشباب الذين خرجوا منادين بالشغل والحرية والكرامة الوطنية.

وتكشف إحصاءات رسمية أنّ مؤشّرات التنمية في الجنوب هي الأشدّ انخفاضاً في البلاد، فنسبة الفقر تبلغ 60 في المائة في المدن وتتجاوز 70 في المائة في القرى والأرياف الصحراوية. وتسجّل البطالة هناك نسباً مرتفعة تصل إلى 83 في المائة، ويُعَد العاطلون من العمل بمعظمهم من أصحاب الشهادات الجامعية العليا. إلى ذلك، لا يتجاوز الدخل الشهري للأسرة في الجنوب التونسي 250 ديناراً تونسياً (نحو 95 دولاراً أميركياً).

ويُعَدّ نقص خدمات الصحة الأساسية واحداً من أبرز أسباب الاحتقان الاجتماعي والغضب الشعبي، الأمر الذي دفع مجلس نواب الشعب التونسي إلى مساءلة 13 وزيراً من حكومة يوسف الشاهد حول تردّي الوضع الاجتماعي والتنموي في محافظات الجنوب الغربي الثلاث، قابس وتوزر وقبلي. يأتي ذلك بعد أسابيع من تناول مجلس الشعب محافظات الجنوب الشرقي، تطاوين وقابس ومدنين، فيكون قد غطى بذلك أربعة أقاليم تضمّ أكثر من 13 محافظة تصنّفها المؤسسات الدولية مهمّشة وفقيرة.




وقد دعا النوّابُ الوزراءَ والمسؤولين كافة إلى الابتعاد عن الحلول الترقيعية المتّبعة في ظروف موسمية عند معالجة مشكلات الجهات. وقبل أيام، شدّد هؤلاء النوّاب على ضرورة الحرص على تفعيل الاستحقاقات والإجراءات المتفق عليها والإيفاء بالوعود المتخذة، خصوصاً تلك المتعلقة بالمشاريع المعطلة. وتناول النوّاب مشكلات البنية الأساسية المهترئة في معظم المؤسسات الحكومية التعليمية والصحية والاجتماعية، إلى جانب النقص الفادح في الخدمات في مختلف المجالات، الأمر الذي يكشف اختلالاً واضحاً في الخدمات المقدّمة بين جنوب البلاد وشمالها. واستعرضوا المشاكل التي تعاني منها محافظات الجنوب التونسي الذي انتفض بعد الثورة، على خلفية الأوضاع المتردية التي يعيش فيها الأهالي منذ أعوام بسبب سياسة الدولة الإقصائية بحسب ما يصفها السكان، والتي تتعلق أساساً بغياب التنمية وارتفاع نسب البطالة نتيجة غياب الانتدابات في القطاع الحكومي وانعدام فرص الاستثمار الخاص ومشكلة المياه الصالحة للشرب وتعطل إنجاز المشاريع التنموية المتفق عليها والافتقار إلى مقوّمات العيش الكريم والتعليم اللائق.

كذلك، طرحوا مسـألة تردّي أوضاع القطاع الصحي، لا سيّما النقص الكبير في الأدوية ونفاد بعضها، والغياب الواضح لأطباء الاختصاص، والنقص الفادح في المعدات والتجهيزات الطبية الضرورية، ومحدودية الفضاءات. وفي الإطار نفسه، أضاء النواب على ضعف برامج التشغيل ومحدودية منظومة التكوين المهني والتدريب التي أدّت إلى نقص في توفير اليد العاملة المتخصصة بالإضافة إلى مشكلة النقل المتمثلة في عدم توفّر خطوط تربط الجهات بالولايات الأخرى ومشكلات الطرقات والمسالك الريفية.

وقد وجد وزراء حكومة الشاهد أنفسهم أمام وابل من انتقادات النواب الذين جاؤوا من محافظات الجنوب محمّلين بهموم الناس وبرسائل تحكي معاناة الفقراء والشباب العاطلين من العمل والأرامل والعائلات المعوزة ومحدودة الدخل التي كانت تأمل في تحسن أوضاعها بعد ثورة الحرية والكرامة. فأتت أجوبة الوزراء لتتراوح ما بين طمأنة النواب والشعب ومصارحتهم بحقيقة الأوضاع الصعبة.




حاول وزير الصحة عماد الحمامي شرح أسباب النقص الفادح في مخزون الأدوية في البلاد وعزوف أطباء الاختصاص عن العمل في الجهات الداخلية إلى جانب هجرة الأدمغة التي استنزفت القطاع الحكومي، مقدّماً عرضاً لإنجازات الحكومة وموجزاً عن المشاريع التنموية في المصحات والمستشفيات قيد الإنجاز أو التوسيع. أمّا وزير التنمية المحلية والبيئة رياض الموخر، فتناول خطة الوزارة لمقاومة التلوّث وإنجاز حملات النظافة، مؤكداً أنّ البلديات المنتخبة سوف يكون لها دور كبير ومهم في الارتقاء بالخدمات المقدّمة للسكان والأهالي في مختلف المحافظات، وسوف تتمكن من دفع التنمية والتشجيع على الاستثمار والتشغيل وخلق الثروة. من جهتهم، أضاء وزراء السياحة والاستثمار والتنمية والمالية والصناعة والطاقة والتجهيز وأملاك الدولة على برامج الحكومة في دفع التنمية وتكوين النسيج الاقتصادي الكفيل بخلق الثروة القادرة على إيجاد فرص شغل جديدة، الأمر الذي من شأنه تقليص البطالة المتفشية وخفض الاحتقان الاجتماعي.