سكان طهران يعيشون ضغطاً نفسياً شديداً

سكان طهران يعيشون ضغطاً نفسياً شديداً

14 يوليو 2018
يلعبون كرة القدم (عطا كيناري/ فرانس برس)
+ الخط -
عوامل عدة باتت تؤثّر على نفسية الإيرانيين، خصوصاً سكان العاصمة طهران الذين يعانون ضغوطاً نفسية كبيرة. من بينها الازدحام والتلوث والظروف الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، ولا يبدو أن الأمر قد يُحل قريباً

من يقطن في العاصمة الإيرانية طهران، يعلم جيداً أن الحياة فيها ليست سهلة، خصوصاً أنها المركز التجاري والاقتصادي والسياسي في البلاد، وفيها أكبر تجمع سكاني مقارنة ببقية المدن الإيرانية. القاطن في مدينة ضخمة المساحة تعاني من مشاكل كثيرة، كالازدحام والتلوث والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، يعاني من التوتر والقلق والضغط النفسي، بحسب دراسات رسمية.

أعدّت كلية الرعاية الاجتماعية دراسة في هذا الصدد، نشرتها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، وأفادت بأنّ 83 في المائة من سكان طهران عاشوا ضغطاً نفسياً شديداً على الأقل مرة واحدة في حياتهم. وحاولت الدراسة البحث في الأسباب والتفاصيل، وشملت ما يزيد عن ستة آلاف شخص تزيد أعمارهم عن الثامنة عشرة، نصفهم من النساء، والنصف الآخر من الرجال، 48 في المائة من الذين خضعوا للدراسة والأبحاث متزوجون، و16.5 في المائة عاطلون من العمل، و29 في المائة يحملون شهادة بكالوريوس، و40 في المائة يعيشون في شقق سكنية مستأجرة. وخلصت إلى أن 83 في المائة من سكّان طهران عايشوا ضغطاً نفسياً شديداً. كما أن الغالبية تعاني من التوتر الذي تتفاوت نسبته. وأكدت أن النساء العازبات، فضلاً عن المرضى المصابين بأمراض مزمنة، أكثر من يصاب بالقلق والتوتر من بين سكان طهران.




وقارنت الدراسة بين الشرائح الاجتماعية المختلفة. وبدا واضحاً أنّ سكان المناطق رقم 1، 7، 19، 21، و22 هم أكثر من يعاني من الضغط النفسي. وتجدر الإشارة إلى أن المنطقة رقم 1، الواقعة شمالاً، هي الأفضل من الناحية المعيشية والمادية، في وقت تتفاوت الأوضاع في بقية المناطق المذكورة، وغالبيّتها قريبة من مراكز حيوية ولا تصنّف فقيرة جداً. كذلك أظهرت الدراسة أن سكان مناطق رقم 4، 5، 11، 12، و13 هم الأقل عرضة للتوتّر والضغط النفسي، علماً أن بعض هذه المناطق محسوبة على نسيج المدينة القديم، ما يعني أن نسب التوتر والاضطراب لا ترتبط بتوزع المناطق، ولا تخصّ المناطق الفقيرة أو الغنية.

وإلى عامل العمل، لاحظت الدراسة أن الطلاب والمجندين في الخدمة الإلزامية هم الأكثر عرضة للاضطراب النفسي، بينما ربات المنازل والمتقاعدون أقل عرضة. وأكدت الدراسة أن الموظفين والعاطلين من العمل معرضون للإصابة بالتوتر النفسي، ما يشير إلى أن العمل ليس المؤشر الوحيد والمسبب الرئيسي لهذه الظاهرة.

كما أن الاضطراب الناجم عن مشاكل مالية واقتصادية، والقلق من المستقبل، يزداد بين الرجال أكثر من النساء، خصوصاً الحاصلين منهم على شهادات عليا. وهذا يعني أن عوامل مختلفة يتضافر بعضها مع بعض، ليعاني من يعيش في طهران ضغوطاً نفسية شديدة مرّة على الأقل في عمره، وتوتراً مزمناً قد يترك تبعات سلبية. ساعات نوم الأفراد تقل بنسبة 40 في المائة عن المعدلات الضرورية، كما يقل نشاطهم الرياضي، ما يعني التأثير على نمط الحياة والصحة.

وفي دراسة أخرى تحدّث عنها رئيس الجمعية الطبية النفسية الإيرانية أحمد علي نوربالا، فإن 45 في المائة من سكان طهران يشعرون بالقلق والتوتر الذي يتحول إلى ضغط شديد بسبب الوضع المعيشي. كما أن 25 في المائة يشعرون بقلق من المستقبل، فيما يشعر 28 في المائة بقلق نتيجة وضعهم الصحي.



ويقول الطبيب النفسي محمد نويدي، لـ "العربي الجديد": "هناك عوامل عدة تؤدّي إلى القلق، الذي بات يُصنّف كأحد الأمراض، وقد يرتبط بعوامل وراثية، أو بتجارب تعود إلى مرحلة الطفولة، أو الوضع المعيشي والاقتصادي الراهن الذي يعيشه الأفراد". يضيف أن الشخص القلق الذي يختبر التوتر والاضطراب الشديد أحياناً لا يستطيع العيش بشكل هادئ، وغالباً ما يشعر بالخوف، وينتظر سماع الأخبار السيئة بشكل دائم. أحياناً، يكون ذلك غير حقيقي، لكنه يؤثر في حياته.

بالإضافة إلى الأعراض الذهنية والنفسية، هناك أعراض جسدية من قبيل تسارع دقات القلب، ضيق التنفس، الرجفة، ومشاكل هضمية وعصبية في المعدة، وغيرها من أعضاء الجسم. وهذا لا يخص طهران وحدها. وفي ما يتعلق بتوتر سكان هذه المدينة، فالأمر يرتبط بعوامل وراثية جسدية ونفسية، بالإضافة إلى الظروف المعيشية وازدحام المدينة وتلوث الهواء وما إلى ذلك.

ويؤكد نويدي أن بعض الأبحاث بيّنت أن من تعرضوا لحوادث سير تشعر الغالبية منهم بقلق مزمن، يؤدي في أحيان كثيرة إلى العصبية وارتكاب أخطاء كثيرة والغضب السريع. ويؤكد أن النساء معرضات للقلق والتوتر النفسي أكثر من الرجال بمرتين، ما يترك تأثيراً سلبياً على العائلة والأطفال الذين ينتقل معهم التوتر إلى عمر أكبر.

يسكن في طهران بحسب إحصاءات عام 2017، 13 مليوناً و260 ألف نسمة تقريباً. ويرتفع النمو السكاني في هذه المدينة بمعدل 1.79 في المائة سنوياً، ما يزيد بسبب الإنجاب والهجرة من خارج المدينة إليها، لوجود تسهيلات كثيرة وفرص عمل أكثر من القرى والأرياف.




وبحسب مؤسسة التخطيط والموازنة التابعة لمقر محافظة طهران، يسكن 46 شخصاً في الكيلومتر المربع الواحد كمعدل وسطي في مناطق مختلفة من إيران. لكن في طهران، يصبح هذا العدد 900 شخص، كما أن مركز الإحصاء الرسمي نقل في مارس/ آذار الماضي أنه في العام الفائت توفي ما يزيد عن 57 ألف شخص في العاصمة، 32 ألفاً من الرجال، وما يزيد عن 25 ألفاً من النساء. صحيح أن أعمارهم مختلفة، لكن العامل الأول للوفاة يرتبط بالأمراض القلبية والعصبية، ثم الأمراض التنفسية، ما يعني أن عامل التوتر قد يؤثر بشكل جدي على حياة الطهرانيين الذين يبحثون عن سبل لتحسين معيشتهم. لكن نمط الحياة الذي يتأثر بعصر السرعة والتكنولوجيا من جهة، ومشاكل المدينة من جهة أخرى، بات يؤثر في حياتهم.