النارجيلة تنتشر بين مراهقي إيران

النارجيلة تنتشر بين مراهقي إيران

12 أكتوبر 2017
زيادة في إقبال الصغار (عطا كناري/ فرانس برس)
+ الخط -
تدخين النارجيلة عاد بقوة إلى إيران قبل نحو عشر سنوات، لكنّه في الفترة الأخيرة وصل إلى مستوى أخطر من خلال إقبال صغار السن من الجنسين عليه. يبقى غياب التوعية هو العامل الأخطر

لا ينفصل وجود النارجيلة في إيران عن تاريخ وثقافة هذا البلد منذ قرون ولّت، لكن يمكن القول بطريقة أو بأخرى، إنّ انتشارها الأخير في المجتمع يعود إلى أقل من عقد، بل يزداد استخدامها بين المراهقين يوماً بعد يوم، ليبدأ الخبراء في التحذير من تبعاتها السلبية على المجتمع ككلّ.

بحسب وزارة الصحة الإيرانية فإنّ 15 في المائة من الشباب ما بين 13 عاماً و15 يدخنون النارجيلة. وحذرت صحيفة "أرمان أمروز" من تبعات انخفاض سنّ مدخني النارجيلة بين الإيرانيين، وقالت إنّ بعض التلاميذ يحملون نارجيلات صغيرة الحجم في حقائبهم.

من جهتهم، كتب أربعة آلاف طبيب ومتخصص من الجامعات ومراكز التحقيقات العلمية رسالة إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني حذروا خلالها مما وصفوه بـ"تسونامي السرطانات في إيران" الذي ارتفعت معدلاته بين الشباب بالذات لأسباب عدة، على رأسها التدخين. وقال هؤلاء إنّ ستين مليار سيجارة تدخَّن في إيران سنوياً، كما يستهلك الإيرانيون 35 ألف طن من التنبك والمعسل. أضافوا أنّ 37 في المائة من الشباب والمراهقين يدخنون النارجيلة، ليصفوا الأمر بالمرض الاجتماعي المستجد.

تؤكد الطبيبة المتخصصة في مركز دراسات مكافحة التدخين التابع لجامعة "شهيد بهشتي" زهرا حسامي أنّ نسب تدخين النارجيلة في ارتفاع، وهذا أمر ملحوظ منذ سنوات، خصوصاً بين المراهقين من الجنسين. تضيف لـ "العربي الجديد": "في سنوات سابقة كان من الصعب ملاحظة مدخنين للنارجيلة في أماكن عامة كالحدائق، بينما بات ذلك متاحاً ورائجاً الآن". تقول إنّ مركز الدراسات الذي تعمل فيه أجرى تحقيقاً يؤكد انخفاض سنّ مدخني النارجيلة إلى الخامسة عشرة، وبأنّ 17 في المائة من الإيرانيين ككلّ ممن هم فوق هذا العمر يدخنون النارجيلة في الوقت الراهن، غالبيتهم من الشباب.

وعن الأسباب، تعتبر حسامي أنّ هذا الانتشار بهذه الطريقة جديد على المجتمع الإيراني، فكثر باتوا يعتبرون أنّ النارجيلة ليست في درجة الخطر نفسها للسجائر، ويدخنونها لإمضاء الوقت مع الأصدقاء والتسلية، بل تتحول إلى طقس عائلي بمرور الوقت، وكأنّ بعضهم يرون في الأمر تحضراً من نوع ما، لكنّ ذلك خاطئ تماماً، كما تقول. تفسر حسامي أنّ المواد التي يتنشقها الفرد من النارجيلة هي نفسها التي تخرج من السجائر، وقد تكون أخطر على الصحة أحياناً. تتابع أنّ المطلوب إقرار قوانين صارمة تطبق في الأماكن العامة والمطاعم والمقاهي العادية غير المخصصة لتقديم النارجيلة، كونها ظاهرة غير صحية ولا يجب أن تنتشر وكأنّها أمر عادي بين الإيرانيين.

استخدمت النارجيلة في إيران قديماً لأغراض طبية، فكان من يتبعون الطب الشعبي أو التقليدي يشعلون أعشاباً طبية ويدخنونها باستخدام نموذج أبسط من النارجيلة التي نعرفها اليوم، وكانت تستخدم لعلاج أمراض الرئة والجهاز التنفسي. عثر على النارجيلة في رسومات ومنمنمات إيرانية قديمة، وتظهر النساء وهن يمسكنها أو يدخنها، وتبدو جلية في رسومات للفنان رضا عباسي المعروف في زمن الشاه عباس الصفوي (حكم بين عامي 1588 و1629). وفي كتب الأسفار أيضاً ذكر الرحالون النارجيلة في إيران وتبغها المميز الذي يسمى اليوم التنبك العجمي.

في عهد القاجاريين (1779- 1925) بات استخدام النارجيلة رائجاً بين الأشراف والأغنياء، وانتهى هذا الوضع مع ثورة التنبك عام 1890 حين منح ناصر الدين شاه بريطانيا امتياز بيع وشراء التبغ في إيران، في وقت كان نحو 20 في المائة من الإيرانيين يعملون في هذه الصناعة، فحرّم رجل الدين محمد حسن الشيرازي استخدام التبغ، ليلتزم الناس بالمقاطعة، ويتحول الأمر إلى ثورة ضد سلطة البريطانيين.



تركت هذه الفتوى أثرها على العقل الجمعي للإيرانيين طوال أجيال، وبالرغم من نسيانها بمرور الوقت، لكنّها لعبت دوراً في التأثير على عقلية استعمال الدخان والنارجيلة، خصوصاً في الوسط المحافظ. وحتى فترة قريبة كان كثيرون يعتبرون التدخين عيباً، وهو ما جعله غير مرغوب فيه حتى مع عدم ارتباط ذلك بفتوى الشيرازي مباشرة.

حاولت السلطات في إيران منذ عام 2004 التحكم في انتشار النارجيلة بالذات، فمنعتها أولاً، لتعدل في وقت لاحق القانون الذي سمح بتقديمها في الأماكن المخصصة فقط، أي في المقاهي الشعبية التقليدية، وغالباً ما تكون هذه المقاهي مغلقة وصغيرة. وقد أصدرت السلطات قراراً منعت فيه تدخين النساء النارجيلة ثم تراجعت عنه. وأقرت منع تقديمها في المطاعم أو المقاهي العادية. وفي التطبيق اقتصر المنع على الأماكن المغلقة غير المخصصة للنارجيلة والدخان، وهو ما يشير إلى التخبط في تطبيق القانون.

من ناحيته، يعتبر المتخصص الاجتماعي مجيد أبهري أنّ النارجيلة التي تستخدم في إيران منذ سنوات طويلة لم تعد تستخدم كما السابق، ولا من قبل شريحة عمرية معينة، إنّما انتشرت بين الصغار وبدأت في التحول إلى ظاهرة خطيرة. يرجح أبهري أن تكون نسبة الفتيات ممن يدخنّ النارجيلة اليوم أكبر من الشبان، ويقول إنّ كثيرين لا يدخنون السجائر أصلاً ويعتبرون أنّها خطيرة، وفي المقابل يدخنون النارجيلة للتسلية. يذكر لـ"العربي الجديد" أنّ طرق التعامل مع هذا الملف غير مجدية، فهناك العديد من العائلات التي باتت تدخن النارجيلة في المنازل، وتسمح لأبنائها بالتدخين مقابل منعها السجائر، وهو ما أدى إلى بدء رواج النارجيلة بين المراهقين. يعتبر أنّ من الضروري توعية العائلات أولاً، كي تلعب دوراً في الانتباه لصغار السن.

دلالات

المساهمون