النرجيلة.. ظاهرة للتسلية تُعاند قرارات منع التدخين

النرجيلة.. ظاهرة للتسلية تُعاند قرارات منع التدخين

22 يونيو 2015
تعد النرجيلة اختراعاً حديث العهد (حسين بيضون)
+ الخط -
حملات الامتناع عن التدخين تحتاج إلى إجراء تعديل جوهري في فحواها. والمقصود هنا، توضيحٌ يشير إلى أن أضرار التدخين لا تقتصر على السجائر، بل تشمل النراجيل أيضاً. إذ تميل المجتمعات العربية عموماً إلى اعتبار النرجيلة وسيلة للتسلية. وكأن ذلك يخفف من ضررها ويحول دون الإدمان عليها. والمفارقة، أن كثيرين ممن أقلعوا عن التدخين، يفاخرون بإرادتهم في التغلب على هذه العادة السيئة، ويتوسعون في الحديث عن أضرار السيجارة أثناء تعديلهم وضع الجمرة على "نفس المعسّل"، وينفثون الدخان محدثين ضباباً رمادياً من حولهم، ثم يتابعون حديثهم بكل ثقة واعتداد في النفس. النرجيلة برأيهم ليست إدماناً، بل مجرد "فشة خلق".

يبدو أن تدخين النرجيلة موضة غير قابلة للأفول، بل تزداد انتشاراً في المجتمعات العربية. هي ليست مجرد إدمان، بل طقس اجتماعي أشبه بالإعلان عن هوية وانتماء إلى عالم لا يفقه لغته سوى مدخني النراجيل. والدليل أن السؤال الأول الذي تواجه به بعد أي تعارف جديد، أو عند التخطيط للخروج مع أصدقاء جدد، هو: "هل تدخن النرجيلة؟". غالبا ما يطرح هذا السؤال أولئك الذين ينتمون إلى هذا العالم، وليس الذين يعيشون خارجه. فإذا كنت من مدخني النرجيلة، هذا يعني أن قاسماً مشتركاً أساسياً يجمعك بهم، ويعبد الطريق أمام صحبة طويلة الأمد تتطور حول "نفس المعسل" بنكهاته المتعددة والمتنوعة.

اقتحمت النرجيلة معظم المطاعم والمقاهي، ولم تستطع تلك التي يغلب عليها الطابع الأجنبي أن تعاندها في كثير من الأحيان. وأصبح شائعاً أن تصادف مطاعم ومقاهيَ تحمل أسماء أجنبية وتقدم أطباقاً غربية مرفقة بنرجيلة. والحجة أن التخلف عن اللحاق بعالم النرجيلة قد يؤدي الى خسارة الزبائن ومن ثم إقفال المطعم. وهذا ما حدث فعلياً مع صدور قرار منع التدخين والبدء في تطبيقه قبل أعوام قليلة، قبل أن تندثر مفاعيله وتشرع المطاعم أبوابها مجدداً أمام المدخنين.

ولأن النرجيلة أصبحت حاجة ملحة في حياة الكثيرين كان لا بد أن تتحول إلى تجارة تعود بالربح الأكيد على أصحابها. وليس المقصود هنا مجرد عمليات البيع والشراء لكل مكونات النرجيلة. بل هناك أيضاً خدمات التوصيل المجاني إلى المنازل، أي "نرجيلة ديليفري" التي تحولت إلى تجارة قائمة بذاتها ومصدر رزق تعتاش منه عائلات كثيرة، وخصوصاً أنها لا تتطلب رأسمال كبير، بل مكاناً صغيراً قد يكون مطبخ البيت، مع عدد من النراجيل من كل الأشكال والألوان والأحجام وتنباك أو معسل من جميع النكهات، إلى دراجة نارية وسائق يجول الطرق يقود بيد ويحمل النرجيلة بيده الأخرى، وخلفه مساعده يحمل المجمرة التي تتطاير شرارة نارها في الهواء بين السيارات والمشاة.

انتعشت هذه التجارة وازدهرت ليس في الأحياء الشعبية أو السكنية فحسب، بل شملت جميع المناطق وراجت حتى في الشوارع المصنفة تجارية، إذ إن الخدمة لا تقتصر على المنازل فحسب، بل تشمل المكاتب أيضاً. هذا ما تشير إليه اللافتات التي تلصق على الجدران وأعمدة الكهرباء وواجهات بعض المحال. ولم تساهم المنافسة وتكاثر الدكاكين التي تؤمن خدمات التوصيل المجاني في الحد من هذه الظاهرة، وخصوصاً أن مدخني النرجيلة إلى ازدياد بعدما تفشت الظاهرة بين الشباب والمراهقين. لا حاجة هنا إلى حملة إعلانات ضخمة للترويج لهذه السلعة (النرجيلة الديليفري) لأن مداخيل هذه التجارة قد لا تسمح بذلك، عدا عن أن لا ضرورة للترويج الإعلاني. فمدخنو النرجيلة كثر ولا يحتاجون إلى من يشجعهم على تدخينها، بل ربما العكس هو المطلوب. لذا، تقتصر وظيفة الإعلان على إبراز رقم الهاتف الذي أضيفت إليه أخيراً إشارة "الواتساب"، للتخفيف من أعباء كلفة الاتصال لمن يرغب في الحصول على نرجيلة تصل مع نارها المشتعلة إلى حيث يشاء مدخنوها. أما سعرها الوسطي، فلا يتجاوز الخمسة آلاف ليرة لبنانية.

تعد النرجيلة اختراعاً حديث العهد، ظهر للمرة الأولى قبل 600 عام في الهند، وكان عبارة عن جوزة هند مفرغة تعرف بـ "النارجيل" بالإيرانية. من هنا، اكتسبت اسمها النرجيلة وخصوصاً أنها انتشرت بشكل كبير في إيران، بعدما عرفت بدايتها الفعلية قبل 500 عام خلال الحكم العثماني، وكانت تعرف بـ "الهوكة" وتشكل أحد أهم وأقدم العادات في تركيا. وكانت تقتصر على السلاطين والنخبة من سكان المدن الكبرى مثل اسطنبول وإزمير وبورشا. ومع انتقال النرجيلة إلى العالم العربي، أدخلت عليها تعديلات أوصلت إلى الشكل التي هي عليه اليوم. لمدخني النرجيلة فلسفتهم الخاصة. إنها تسلية، هكذا يصفونها. تسلية يعادل فيها كل "نفس" نحو 48 سيجارة.

إقرأ أيضاً: كافحها.. لا تشعلها