البلدات النائية ملاذ النازحين بالشمال السوري

البلدات النائية ملاذ النازحين بالشمال السوري

28 يونيو 2018
في واحدة من تلك البلدات (مروان القاضي)
+ الخط -
كثيرون قرّروا الخروج من مخيّمات النزوح في الشمال السوري، وتوجّهوا إلى بلدات نائية لعلّهم يجدون استقراراً ولو مؤقتاً

مشكلات جديدة تواجه النازحين في الشمال السوري، خصوصاً الذين خرجوا من المخيمات في اتجاه بلدات نائية في منطقة عفرين بريف حلب الغربي، إذ إنّ تلك البلدات تفتقر إلى أدنى المقوّمات الخدمية مع غياب النقاط الطبية فيها. كذلك، فإنّها تقع في مناطق جبلية تفصلها عن مدن منطقة عفرين طرقات ترابية وعرة.

أكثر من 360 بلدة وناحية تتبع منطقة عفرين، بحسب ما يقول وسيم طويل وهو أحد النازحين من جنوبي دمشق. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "بلدات نائية عدّة كانت تستخدم من قبل حزب الاتحاد الديموقراطي، بحسب ما علمنا من أبناء المنطقة، صارت مهجورة، الأمر الذي جعلها ملاذاً للنازحين". ويتابع طويل أنّ "النازحين خرجوا من المخيمات إلى تلك القرى الجبلية واستقرّوا فيها على الرغم من الصعوبات التي واجهوها، فلا مراكز طبية ولا مواصلات في حين أنّ الطرقات الجبلية قاسية جداً وتستلزم سيارات قوية. كذلك يعتمدون على مياه أمطار الشتاء المدّخرة في خزانات صناعية تحت الأرض لفصل الصيف". ويشير طويل إلى أنّ "المشكلة الأكبر التي تواجه النازحين اليوم، هي عودة كثيرين من سكان المنطقة الأصليين إلى منازلهم، ممّن ليس لهم ارتباطٌ بالأحزاب الانفصالية الكردية. وهذا الأمر جعل النازحين في حالة تخبط، إذ لا يستطيعون العودة إلى المعاناة في المخيمات بسبب اكتظاظها، ولا يستطيعون البقاء مع عودة الأهالي إلى قراهم".




من جهته، يخبر سعيد هوشان أنّه "عندما وصلت إلى عفرين، كانت المدينة خالية. وكلّما حاولت السكن في بيت، يأتي أصحابه، وأضطر إلى الخروج من جديد بحثاً عن آخر، ترافقني في ذلك زوجتي وثلاثة أبناء". يضيف هوشان لـ"العربي الجديد" أنّه "أخيراً، حاولت الاستقرار في إحدى القرى الحدودية النائية والجبلية في وقت واحد. فقمت بتنظيف أحد البيوت المهجورة، وهو حماني من الأمطار الغزيرة التي هطلت على البلدة. لكن بعد أسبوع، جاء صاحبه فاضطررت إلى تركه والبحث عن آخر. وما زلت مستمراً في البحث".



أنس جردي من هؤلاء النازحين، يتحدّث لـ"العربي الجديد" عن "طريق صعب جداً لا يتجاوز عرضه ثلاثة أمتار يجعل الوصول إلى بلدة قودكوة أمراً شاقاً". ويوضح جردي الذي يقيم في تلك البلدة أنّ "خيارنا الوحيد هو السكن هنا، على الرغم من أنّ البلدة غير مجهزة خدماتياً. فهي تضمّ خزانات مياه محفورة في الأرض، تُجمع فيها مياه الأمطار التي تهطل في الشتاء. والبلدة تحتوي على متجرَين صغيرَين للمواد الغذائية لأهالي البلدة الأصليين، بالإضافة إلى متجرَين آخرَين فتحهما نازحون من القلمون، فخففا من مشقة الحصول على المواد الغذائية والخبز". وعن نفاد المياه من هذه الخزانات الجوفية، يوضح جردي أنّ "مختار البلدة أخبر النازحين بأنّهم يستطيعون الحصول على المياه التي تُنقل إلى البلدة من منطقة راجو، ولا حاجة إلى الخوف من نفادها من الخزانات". ويتابع أنّ "ثمّة سيارات تتوجّه أيام السبت والإثنين والأربعاء إلى مدينة عفرين للتسوّق وشراء الحاجيات التي لا تتوفّر في راجو".




ويشير جردي إلى أنّ "الأهالي هنا يعملون في الرعي، ويجتمعون عصر كل يوم ويتناولون ما يجري في منطقتهم باللغة الكردية، ويتحدثون عمّن يأتي وعمّن يغادر. أمّا نازحو مدينة الضمير فيجتمعون في مسجد البلدة لتعليم الأطفال، وقد أطلقوا دورة لتعليم اللغة العربية للأكراد وكذلك العرب". يضيف: "نحن نحاول التقرّب منهم وهم يحاولون من جهتهم. وصارت لديهم نظرة إيجابية نوعاً ما تجاهنا، مختلفة عمّا عرفوه سابقاً بسبب تجاوزات بعض فصائل الجيش الحرّ أو على خلفية شائعات المليشيات الكردية. وقد جرى اتفاق بين النازحين وأهالي البلدة للحفاظ على محتويات المنازل وللخروج من أيّ منزل يأتي أصحابه ليسكنوا به".



سامر نازح من ريف حمص الشمالي، يقول إنّ "الحياة في بلدة ماملي مغامرة بحدّ ذاتها. فلا خدمات متوفّرة فيها، وقد وقعت مناوشات على مقربة منها قبل مدّة بين الجيش التركي وعناصر من الميلشيات الكردية. أمّا أقرب منطقة إليها فهي راجو، لكنّ السير على الطريق الذي يصل بينهما غير ممكن ليلاً". ويخبر سامر "العربي الجديد" أنّ "عائلة قصدت البلدة لتستقر فيها، لكنّها لم تحتمل البقاء نظراً إلى وجود امرأة حامل. فالمستشفى المتوفّر الوحيد هو في عفرين، والطريق نهاراً يستغرق أكثر من ساعتَين. لذا تخوّفوا كثيراً من البقاء في البلدة". يضيف أنّ "ثمّة قريباً لي يعمل مع الجيش الحرّ يساعدني في تأمين بعض الحاجيات بالإضافة إلى تعاون بعض الأهالي في الحصول عليها. نحن مرغمون على البقاء هنا لقلّة الخيارات المتوفّرة لنا. وقد حاولنا سابقاً البحث عن بيوت في مدينة عفرين لكن من دون جدوى".




أمّا أمينة النازحة من ريف حمص الشمالي، فتقيم مع أولادها في إحدى البلدات الصغيرة النائية قرب الحدود التركية السورية. تخبر "العربي الجديد" أنّها قصدت البلدة برفقة زوجها وأبناء منطقتها، موضحة أنّ "الخيار بالنسبة إلينا كان خياراً جماعياً. فقد رافق زوجي إخوته وجيراننا ومعارف آخرون. وقد قرّروا جميعاً التعاون في ما بينهم لمواجهة مصاعب العيش في هذه البلدة التي تطل على مدينة قرخان في إقليم هاتاي التركي".