جمعيات فرنسا تُنقذ الفقراء

جمعيات فرنسا تُنقذ الفقراء

12 نوفمبر 2018
مشرّد في باريس (جويل ساجيت/ فرانس برس)
+ الخط -

خلال فصل الشتاء على وجه الخصوص، وحين يشتدّ البرد في فرنسا، يزداد عمل الجمعيات الخيرية، وحتى الإسلامية، لمساعدة المحتاجين والفقراء من كل الطوائف والجنسيات. لكن هذا العمل ليس معلوماً لدى الجميع 

ينتظر كثيرون في فرنسا أشهر البرد القارس. خلالها، لا تستطيع السلطات إخراج الناس من بيوتهم إذا لم يدفعوا بدلات الإيجار. هؤلاء أنفسهم، قد لا يستطيعون تأمين الغذاء. كما أنّ الكثير من المواطنين لا يملكون مسكناً، ويتنقلون من مكان إلى آخر يومياً. وتتحدّث مصادر رسمية عن وفاة نحو 500 منهم سنوياً. في هذا الإطار، يتكثّف عمل الجمعيات الخيرية والإغاثية ويتنوع، وإن كان نشاط بعضها يتضاءل خلال فصل الصيف.

إذاً، يزداد عمل الجمعيات الطبية والإغاثية والإنسانية خلال موسم البرد والأمطار والثلوج، بالتنسيق مع مختلف المصالح الاجتماعية في البلديات. وإذا أخذنا بلدية باريس مثالاً، فقد كشفت قبل أسبوعين فقط عن تحسين إجراءات استقبال المشرّدين في باريس، الذين كان عددهم 3000 شخص، في إحصاء يعود إلى شهر فبراير/ شباط الماضي. ومن إجراءات البلدية الجديدة، استقبال نحو 300 شخص داخل بلديات باريس، وفي قاعات الجمعيات ومقارّ المحاكم السابقة. وقالت رئيسة بلدية باريس آن هيدالغو، إنّ بلديتها ستقدّم مثالاً على هذه الجهود، وسيستقبل مقر بلدية باريس ما بين خمسين إلى مئة امرأة مُشرّدة في أيام البرد القارس.



وبما أنّ الدولة والبلديات لا يمكنها وحدها معالجة هذه المشكلة، تتدخل الجمعيات، على رأسها جمعية الإغاثة الشعبية والإغاثة الكاثوليكية والإغاثة الإسلامية. كما تعمل جمعيات أخرى في الأحياء. ومن بين هذه الجمعيات، جمعية "جيش الخلاص" التي تقدّم طعام العشاء لمن يحتاج إليه، و"فجر" التي تستقبل المشرّدين وتقدّم طعام العشاء للمعوزين. كما تقدّم جمعية "شوربة" الإسلامية وجبة العشاء للمعوزين من كل الطوائف. ويعرفها كثيرون من خلال تقديمها وجبات خلال شهر رمضان لا تميز بين المسلمين وغير المسلمين، مع الحرص على إطعام غير المسلمين قبل أذان المغرب.

وعلى رأس الجمعيات النشيطة "مطاعم القلب"، وهي أكثرها شعبية، أسسها الفنان الساخر والممثل الراحل كولوش، وتقدم مساعدات كبيرة للمشردين، وتجوب شاحناتها الشوارع من أجل تقديم العشاء للفقراء. وفي كل عام، ينظم فنانون فرنسيون حفلاً موسيقياً لجمع الأموال والتبرعات.

"سامو سوسيال" تجمّع ذو منفعة عامة، أسسه عام 1993 كزافيي إيمانويلي، وكان حينها طبيباً في مركز الاستقبال من أجل المشردين في مدينة نانتير. كما تعدّ "الإغاثة الكاثوليكية" حاضرة بقوة، وتقيم استقبالات في الشوارع بهدف تقديم الطعام للمحتاجين. كما تنشط جمعية "الإغاثة الشعبية" التي تعمّ نشاطاتها مختلف أرجاء العاصمة، خصوصاً في المقاطعة الثامنة عشرة.

ومن أهم الجمعيات الإسلامية التي تشارك في أعمال مماثلة، جمعية "الإغاثة الإسلامية". ويقول رئيسها ومؤسّسها عام 1991 رشيد لحلو، وهو من أصول مغربية، إن الجمعية "مستقلة ومحايدة وغير دعويّة". وتفادياً للدخول في أي سجال محتمل حول تمويلها، يؤكد في لقاء له مع مجلة "عالَم الديانات" في يونيو/ حزيران عام 2018، أن "جميع المانحين فرنسيون حصراً"، وأنّ جمعيته لا تحصل على أي تمويل من بلدان الخليج، ساخراً من موقف الحكومة الفرنسية التي "تنظم اجتماعات لحث المنظمات غير الحكومية على البحث عن المال لدى من يطلَقُ عليهم المانحون الجدد، أي دول الخليج".

إذاً، فإنّ أبواباً عديدة تكون مفتوحة في هذه المرحلة الصعبة من السنة. لكن الشروط ليست متشابهة، إذ إن المقيم في العاصمة يستطيع التنقل بسهولة ويسر بين الجمعيات، بحسب كمال، وهو شاب مغربي تقطّعت به السبل منذ عشر سنوات، إذ ليس في حوزته أوراق إقامة. "الطعام موجود، وكثير من الجمعيات تنظم دوريات لتوزيع القهوة والطعام".



سعاد، وهي لاجئة سورية، تعترف بأن المساعدات التي تقدم من الدولة الفرنسية لا تكفي لتلبية حاجات أسرة من 5 أفراد. وتستذكر أسماء ست جمعيات ترتادها لطلب المساعدة، إضافة إلى بعض المساجد التي توزع مساعدات غذائية على المحتاجين.

وتعمد معظم المساجد إلى تخزين المواد الغذائية، بحسب قدراتها وتوزيعها على المحتاجين. إلا أن المعاناة تتمثّل في صعوبة التخزين، بحسب القائم على مسجد الإصلاح في مونتروي، الحاج أحمد، إضافة إلى صعوبة وصول المحتاجين إلى المساجد، ووجود الأخيرة في أماكن لا يعرفها في الغالب سوى مرتاديها من المصلّين.

وعلى الرغم من التنسيق الذي يحدث أحياناً بين مختلف الجمعيات، ما يساهم في مساعدة نسبة كبيرة من المحتاجين، يبقى ضعيفاً. وخلال الأيام الأخيرة، تحدث سكان حي كريتاي في الضاحية الباريسية، عن الشاب سمير الذي عرف بابتسامته على مقربة من ميترو كريتاي، بعد العثور على جثته متجمدة، علماً أن البرد الشديد لم يحلّ بعد. فهل كان يعرف أماكن وجود الجمعيات الإغاثية؟ هل استفاد من مساعدة ما؟ وهل كان يعرف الرقم المجاني لطلب النجدة؟ أسئلة كثيرة لم يعد سمير في حاجة إلى إجابات عنها.