اعتصام منذ 8 أشهر في تونس

اعتصام منذ 8 أشهر في تونس

12 نوفمبر 2018
مستمرون بالرغم من التعب (العربي الجديد)
+ الخط -
مرّ على اعتصام الصمود بالقصرين، وسط غرب تونس، أكثر من ثمانية أشهر، والمعتصمون  من الشباب ما زالوا يرابطون طوال هذه الفترة التي بدأت في 27 فبراير/ شباط 2018 أمام مقر ولاية القصرين للمطالبة بتوظيفهم. بالرغم من طول المدة والبرد والحرارة والتضييقات والتجاهل والأمراض فهم صامدون في مطالبهم.


لكن مع التعاطي السلبي مع كلّ ما يعانيه معتصمو الصمود وبعد عدة وقفات احتجاجية يستعد هؤلاء الشباب إلى التصعيد بطرق سلمية لإيصال أصواتهم إلى أصحاب القرار ولنيل حقوقهم المشروعة في الحصول على عمل يضمن كرامتهم. الجدير بالملاحظة أنّ عائلات المعتصمين يشاركون أبناءهم اعتصامهم ويحضرون معهم في الوقفات الاحتجاجية ويبقون لساعات معهم في خيمة الاعتصام دفاعاً عن حقوقهم.

محمد عمري، أحد أعضاء تنسيقية الصمود، حاصل على الماجستير منذ 6 سنوات، لكنّه يعاني من البطالة شأنه شأن 3 أشقاء له تخرجوا قبل سنوات ولم يظفر أيّ منهم بعمل. يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّهم ينامون في الشارع منذ نحو 9 أشهر، وبعد حرارة فصل الصيف فإنّهم يعانون اليوم من قساوة البرد والأمطار والفيضانات، مبيناً أنّ عددهم يتجاوز 50 معتصماً، وبحكم طول فترة الاعتصام فقد قرروا تقسيم أنفسهم إلى فرق، تتولى كلّ مجموعة منها البقاء فترة ثم تحل أخرى محلها عن طريق التناوب. يوضح عمري الذي عمل في مجالات الحراسة والفلاحة والبناء أنّهم ضاقوا ذرعاً من التسويف والمماطلات ومن العمل في أعمال ليست لهم ومن تجاهل السلطات، مشيراً إلى أنّهم يعرفون جيداً أنّ باب الوظيفة العمومية مغلق وقد يستمر الوضع إلى حدود سنة 2020، لكنّ ما دفعهم إلى الاعتصام هو توظيف أشخاص يفتقدون إلى الكفاءة والمؤهلات العلمية في بعض الإدارات بالقصرين. يتساءل: "كيف يجري توظيف هؤلاء إن لم تكن هناك محسوبية وتدخلات؟".



بدورها، تقول نادية الغرسلي (35 عاماً، متخرجة منذ 8 سنوات في اختصاص الفيزياء) إنّها تشارك الشباب اعتصامهم نظراً لتردي ظروفها الاجتماعية، ففي الأسرة هم 7 أشقاء متخرجين من الجامعة لكنّهم يعانون جميعاً من البطالة. تشير إلى أنّ والدها كان قادراً على تأمين نفقاتهم، لكنّه يعاني اليوم من مرض في القلب، وبات عاجزاً عن العمل، كما أنّ والدتها كانت تبيع الصوف لتدريسهم لكنّ الحظ لم يسعف أيّ فرد منهم في إيجاد عمل وتعويضها عن سنوات الشقاء. تشير إلى أنّهم عاشوا ظروفاً قاسية جداً في الاعتصام، فأحياناً يكون طعامهم القليل من الخبز و"الهريسة" أي الفلفل الحار التونسي، وهناك من مرض بعد خوضه إضراب جوع وتضرر كبده. كذلك، تشير إلى أنّهم عرضة لأخطار عدة، فأحياناً تهجم عليهم الكلاب الشاردة، وهو ما دفع المعتصمات الإناث إلى عدم المجازفة بالبقاء ليلاً، والاكتفاء بالاعتصام نهاراً. تتابع أنّهم يعتصمون سلمياً فهم أصحاب شهادات عليا، وطلبهم الوحيد أن يستمع إليهم المحافظ والسلطات، وأن يجدوا لهم حلولاً، مشيرة إلى أنهم انتظروا أكثر من 7 سنوات منذ اندلاع الثورة التونسية لكنّ الكأس فاضت والظروف القاسية والتهميش الذي تعاني منه المنطقة التي يعيشون فيها دفعهم إلى الاعتصام.



يقول زياد الهيشري (28 عاماً) إنّه لم يكن ينوي الاعتصام يوماً، بل كثيراً ما كان يتوجه كبقية الشباب إلى محافظات ساحلية للعمل في الفلاحة، وهو عمل موسمي، وكان يتعين عليهم دفع الإيجار وبدل النقل، لكنّ الظروف الاجتماعية لأسرته كثيراً ما تتعكر بسبب غياب المال وقد يتأزم الوضع إذا كانت والدته مريضة فيعجز عن جلب الدواء لها. وعن الاعتصام يقول إنّهم اضطروا إلى البقاء في الأمطار والاختباء بالقرب من السيارات ومحطات النقل أثناء الفيضانات، وكانوا ينامون على الإسفلت، مبيناً أنّ الخيمة والأغطية والحشايا وملابسهم التي جلبوها معهم حجزتها السلطات ليبقوا في العراء.

بدوره، يأمل مختار الذي يحمل شهادة في الرياضيات، أن يعثر على عمل، فهو يقطن في سبيطلة ويضطر إلى قطع 60 كلم للوصول إلى مكان الاعتصام، وفي حالات كثيرة لا تكون معه أجرة النقل، ويعاني كغيره من الشباب ظروفاً اجتماعية صعبة. مع ذلك لم يبخل هذا الشاب وغيره من شباب اعتصام الصمود في تقديم يد العون إلى تلاميذ الثانوية العامة، إذ أطلقوا مبادرة لشرح الدروس مجاناً لهم.

خطر الكلاب

يعاني الشاب صنهوري برطولي (36 عاماً) من إصابة في رقبته منذ شهر ونصف، بعدما هجمت الكلاب الشاردة على مكان الاعتصام، وهي هجمات تتكرر بين فترة وأخرى. برطولي ممرض تخرّج عام 2011 وعمل 7 سنوات متطوعاً في مستشفى القصرين من دون أجر. لديه 6 أشقاء معظمهم يحمل شهادات جامعية، وجميعهم عاطل من العمل.