حمّاد العبيدي: خسرت كل شيء بسبب "داعش"

حمّاد العبيدي: خسرت كل شيء بسبب "داعش"

01 نوفمبر 2018
"كنت وإخوتي مطلوبين من داعش بحجج واهية" (العربي الجديد)
+ الخط -


أن تفقد كل شيء، مالك وبيتك وعملك، خسارة كبرى. ثمّة خسارة أكبر هي بفقدان فرد من العائلة. مثل هذه الخسائر تُسجّل كثيراً في العراق، وقد ازدادت خصوصاً في أثناء ظهور تنظيم "داعش" في عام 2014 وسيطرته على مناطق من البلاد تصل إلى نحو ثلث مساحتها الكلية.

قبل عام 2014، كانت عائلة حمّاد رشيد أحمد العبيدي تنعم براحة بال واستقرار وتربطها أواصر متينة مع أقاربها، في إحدى قرى قضاء القائم الحدودي مع سورية، غربيّ العراق. حمّاد، المولود في عام 1981، متزوّج وله ستّة أطفال، مثلما هي حال عائلات كثيرة في القرى لا تفكّر في وضع حدّ للإنجاب. بالنسبة إليها، الرزق جيّد والأمكنة واسعة والبيوت رحبة تتّسع لعدد كبير من الأفراد. يُضاف إلى ذلك أنّ حمّاد وإخوته الثلاثة الذين يعيشون على مقربة منه، يملكون قطعاناً من الماشية مثلما هي حال كثيرين من سكان القرى. لكنّ هذا الاستقرار لم يدم طويلاً بحسب ما يؤكد حمّاد، "مع سيطرة داعش على منطقتنا، خضنا معاناة لم نكن نحسب في يوم أنّنا سوف نعيشها".

بدأت "المأساة" بحسب ما يوصّفها حمّاد، في صيف عام 2014، حين راح "داعش" يفرض سيطرته على محافظة الأنبار (غرب). ويتحدّث عن "المأساة الكبرى" مع تعرّض عائلته الكبيرة إلى مشاكل كبيرة من جرّاء ضغوط "داعش". يقول حمّاد: "قرّرنا الخروج من القرية. وعندما سألنا عناصر داعش عن السبب، عللنا ذلك بأنّنا نبحث عن مكان للرعي، وإلا فإنّ ماشيتنا سوف تنفق". يضيف أنّ "الحجة كانت مقنعة، وبالفعل خرجنا إلى البادية. ورحنا نعيش في خيم متنقلين من مكان إلى آخر وغايتنا الوصول إلى مناطق تقع تحت سيطرة القوات العراقية وننقذ أرواحنا وعائلاتنا". ويتابع حمّاد: "تمكّننا من الوصول إلى قرية تسمى الاسحاقي التابعة لقضاء الرطبة (غرب). نصبنا هناك بيت شَعر، وكنّا نتحيّن الفرصة لكي نهرب في اتجاه القوات العراقية. لكن الحظ لم يكن حليفنا. فقد أخبرنا مقرّبون منّا أنّني وإخوتي مطلوبون من قبل داعش، بحجج واهية منها موالاة القوات العراقية ومخالفة التنظيم. لم نكن وحدنا المطلوبين، فالقائمة كانت طويلة تحوي آلاف الأسماء، وقد عُمّمت على كل المناطق الواقعة تحت سيطرة التنظيم". بالتالي، لم يعد حمّاد وإخوته يبيتون الليل في خيمة الشعر، بل صاروا يختبئون في الوديان القريبة. وكان أحد أولاد حمّاد هو المرسال بينهم وبين عائلاتهم.



ويكمل حمّاد أنّ "المأساة بدأت مع شقيقي الأكبر، أنور، الذي اعتقل من قبل عناصر التنظيم، لأنّه حاول الهرب مع عائلته إلى قضاء هيت (غرب) الخاضع آنذاك لسيطرة الجيش العراقي. وقع ذلك في 15 سبتمبر/ أيلول من عام 2015، قبل أن يقتلوه في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه. وترك أنور خلفه عائلته التي تضمّ إلى جانب أرملته ثمانية أولاد". في ذلك الحين، ولأنّ الظروف المعيشية صعبة، راح حمّاد يرسل رؤوس غنم من ماشيتهم مع أيّ صديق أو جار يقصد سوق الماشية، ليبيعها. "كنّا في حاجة إلى الإنفاق على عائلاتنا، بينما لم أكن قادراً على الخروج ومزاولة عملي".

بعد نحو شهر من مقتل شقيقه أنور، اعتقل "داعش" شقيقه الآخر، أحمد، "بتهمة أنّه صوفي ويخالف في معتقداته فكر تنظيم داعش. لكن بعد إفادات أدلى بها بعض الجيران وبعدما أعلن هو التوبة، حصل على البراءة وفُكّ أسره بعدما أمضى شهراً في معتقلات التنظيم".

وكان قرار بالمحافظة على الأرواح بقدر الإمكان. وبما أنّ الرجال مطلوبون من قبل التنظيم، فكان الهرب هو الحلّ، في حين تبقى النساء في المكان ويتدبّرنَ معيشتهنّ وأولادهنّ بما تبقى من ماشية، بالإضافة إلى مساندة من قبل أقارب تكفلوا برعاية هؤلاء النساء والأطفال. وفي ديسمبر/ كانون الأول من عام 2015، تمكّن حمّاد من الهرب عبر الصحاري متنكراً، حتى وصل إلى بقعة تسيطر عليها القوات العراقية، ومنها وصل إلى "مخيّم السلام" في بغداد.




اليوم، انتهى "داعش"، لكنّ حمّاد يؤكّد أنّ "الحال لم تعد مثلما كانت قبل ظهوره. إخوتي وأنا خسرنا كل شيء. بيوتنا تهدمت من جرّاء المعارك. كنّا نملك ثلاث سيارات وجراراً زراعياً، صادرها داعش، في حين أنّنا لم نعد نملك شيئاً من قطعان ماشيتنا". بعد تحرير الأنبار، عاد حمّاد إلى الديار، لكنّه لم يتمكّن من المكوث طويلاً، إذ إنّه يتوجّب عليه تأمين حاجة عائلته. فتوجّه من جديد إلى بغداد، لافتاً إلى أنّ "مهارتي في البناء منحتني فرصة عمل جيّدة هناك. هكذا، أعمل لمدّة أسبوعين أو ثلاثة، ثمّ أعود إلى عائلتي وأمكث معها أسبوعاً واحداً، وهكذا دواليك". يضيف: "في مخيّم السلام، نازحون تصعب عليهم العودة إلى مناطقهم. كثيرون مثلي فقدوا كلّ شيء".