تطوّع في العراق

تطوّع في العراق

26 يوليو 2018
ثمّة متطوّعون قدّموا لها دميتها (كريم صاحب/ فرانس برس)
+ الخط -
دفعت الحروب والأزمات التي يمرّ بها العراق منذ نحو أربعة عقود إلى تشكّل فرق تطوعية محلية وتنظيم حملات إغاثية من قبل شباب متطوّعين في المحافظات المنكوبة في مختلف أنحاء البلاد. أحمد محمود الجديع من هؤلاء الناشطين، وهو من محافظة البصرة بأقصى الجنوب العراقي. يقول: "على الرغم من أنّ محافظة البصرة تطفو على نهر من النفط إلا أنّ كثيرين من سكانها يعانون من الفقر، وهذا ما دفعني إلى الانخراط في العمل التطوعي في إطار حملات تطوعية يطلقها شباب وناشطون، أو من خلال العمل الفردي". يضيف الجديع لـ"العربي الجديد" أنّه "في البداية، كنّا ننشط خلال رمضان أو عند معرفتنا بوضع حالة اجتماعية معيّنة. فننظم حملة لجمع التبرّعات من أصدقاء الأسر المحتاجة وأقاربها، علماً أنّ الحملات تختلف من شهر إلى آخر. ففي شهر رمضان على سبيل المثال نتوجّه إلى السلة الرمضانية، أمّا مع اقتراب العيد فيتحوّل نشاطنا إلى جمع المال. وفي الأشهر العادية، نرصد بعض العوائل المعوزة، ونؤمّن لها ما تيسّر لنا من مال أو مساعدات عينية. وفي بعض الأحيان، نتكفّل بتكاليف علاج كيميائي لمرضى السرطان أو نساعد شباباً ينوون الزواج أو نسدّد بدلات الإيجار لعدد من الأسر الفقيرة.

ويشير الجديع إلى أنّه "في بعض الأحيان، يكون توجّه الحملة التي نطلقها كشباب ناشطين متطوعين نحو بناء المنازل في حال توفّرت لدينا مبالغ جيدة. وفي أحيان أخرى، قد يستهدف نشاطنا المساجد وما تحتاج إليه. إلى ذلك ننظّم حملات لجمع تبرّعات من أجل البناء والطلاء وشراء أجهزة كهربائية". ويتابع الجديع أنّ "الفرق والحملات التطوعية مهمة جداً في العراق، خصوصاً في المدن المنكوبة التي تعرّضت إلى الحرب والنزوح. ومع الوقت، تطوّر هذه الفرق نفسها وتنظّم عملها، وهذا أمر يساعد في الوصول إلى أكبر عدد من المحتاجين إلى العون والمساعدة".




في السياق نفسه، يتحدث الناشط عبدالله نوري الحلبوسي لـ"العربي الجديد" من مدينة الفلوجة في محافظة الأنبار، غربيّ العراق، ويقول إنّ "مدن البلاد بمعظمها تعاني من ويلات الحرب، لا سيّما مدينة الفلوجة التي تعرضت للقصف المدمّر وهذا ما يجعل الناس في حاجة إلى مساعدة وعون. هكذا بدأ عملي التطوعي، بمبادرة فردية في بادئ الأمر. ورحنا نعمل إخوتي وأنا من دون إعلام، مستخدمين فقط صفحتي الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي". وبعد سنتَين، تأسس فريق "بصمة فاعل خير"، وأتى ذلك بحسب الحلبوسي "خلال لجوء السوريين في عام 2013. رحنا نعمل في المساجد فنجمع الخبز والدقيق ونوزّعهما على المحتاجين".

ويتابع الحلبوسي أنّه "في عام 2014، نزحنا نحن كذلك من الفلوجة وصار عملنا منسّقاً أكثر من ذي قبل من خلال تصوير حالة معيّنة ونشرها على صفحتي الشخصية. استمرّ العمل على الرغم من نزوحنا إلى محافظة إربيل. هناك، في بلدة شقلاوة وعند أطرافها وصولاً إلى الحدود الإيرانية، وزّعنا مبرّدات كهربائية وكراسي للمقعدين وبعضاً من المبالغ المالية والمواد الغذائية وما يمكن أن تحتاج إليه الأسر النازحة. وقد تمكّنا من تأمين الدعم من خلال تصوير الحالات الإنسانية ونشرها على مواقع التواصل، فكثيرون هم المحسنون الذين يتبرّعون للتخفيف عن كاهل الأسر المعوزة والحالات المرضية وغيرها.

ويؤكد الحلبوسي أنّ "العمل التطوعي لا يحتاج إلى مال بقدر ما يحتاج إلى ثقة وإصرار على العمل في هذا المجال مهما بلغت المشقة، لتلبية احتياجات الناس. واليوم، بعد مضيّ خمسة أعوام على العمل الطوعي، أستطيع القول إنّ فريقنا نجح في التخفيف عن كاهل معوزين كثيرين من خلال مساعدات الآخرين وتبرّعاتهم. فأكثر من ألف عائلة استفادت من المساعدات التي يقدّمها فريقنا".

من جهته، يقول المحامي والناشط المدني غسان المهداوي من محافظة ديالى شمال شرقي العراق لـ"العربي الجديد" إنّ "عملنا بدأ في ديالى قبل سنوات عدّة. لم يكن ذلك من ضمن حملة تحمل اسماً وأهدافاً، إنّما العمل كان يورّط كلّ من يستطيع تقديم شيء بحسب إمكانيته. لكنّ الظروف التي مرّت بها المحافظة وتحديداً بلدة المقدادية التي تعرضت إلى نزاعات كثيرة مع نزوح عدد كبير من سكانها، دفعتنا إلى تشكيل فريق "صناع الأمل" التطوعي في شهربان مركز بلدة المقدادية، لمساعدة العوائل المنكوبة في المدينة والقرى المحيطة بها".




ويشير المهداوي إلى "تحديات عدّة واجهناها كفريق عمل تطوعي، منها صعوبة الحصول على الدعم، ومنها العمل بحذر على خلفية تردي الوضع الأمني في أحيان كثيرة، بالإضافة إلى فرض حظر تجوّل وفقاً للحالة الأمنية. على الرغم من كل ذلك، عمدنا كفريق إلى توزيع مساعدات كثيرة وسدّ ديون بعض المحتاجين والتكفّل بعوائل معوزة، وكلّ ذلك من خلال جمع التبرّعات وتوزيعها بحسب السجلات التي نملكها".