مسنون عرب في كندا... تقاعد مريح في بلد المهجر

مسنون عرب في كندا... تقاعد مريح في بلد المهجر

02 أكتوبر 2018
رعاية صحية وضمانات للمسنين في كندا(روبيرتو مشادو نوا/Getty)
+ الخط -


ما أن تدخل إلى أحد المراكز التجارية في أكبر مدن مقاطعة كيبك الكندية مونتريال، ما بين العاشرة صباحا والواحدة بعد الظهر، وتنظر إلى ساحة المطاعم والمقاهي، حتى ترى الطاولات موزعة في كل الأماكن والزوايا، كبقع زيت على سطح مسبح منزلي، وعليها روادها من المسنين في العمر الذهبي AGE D’OR الذين يعطون لكل طاولة لونها وطعمها، فهذه طاولة العرب وتلك للهنود وهذه للصينيين، والأخرى للسود.

ما أن تدقق أكثر وتصيخ السمع، حتى تميز طاولة اللبنانيين عن طاولة السوريين، عن طاولة المصريين، أو العراقيين. أما إذا كنت من هواة علم الأجناس واللغات واللهجات والأديان والطوائف، أو يسار الثورات ويمينها، فما عليك إلا الجلوس على إحدى الطاولات والاستماع أو المشاركة في الحوارات الجادة أو الساخرة، الحانقة أحيانا والغاضبة أحيانا أخرى. أما إذا كنت سورياً فأنت تعرف طاولتك سلفا، فالسوريون مفروزون مع وضد. وللخروج من مألوف الأحاديث طرحت عليهم مجموعة من الأسئلة؛ كان أولها: مَن منكم يود العودة إلى بلده لقضاء ما تبقّى له من عمره هناك؟

الجميع أجاب من دون تردد بأنهم يفضلون البقاء في كندا، فهم بحاجة إلى راتبهم التقاعدي وإلى الرعاية الصحية في هذا العمر. أكثر من واحد أكد أنه حيّ حتى الآن بفضل الرعاية الصحية الكندية، ولو أنه كان يعيش في أي بلد عربي آخر لكان قد مات منذ زمن. أحد الأطباء الذي يجلس معنا قال: لقد كنت في أحد المشافي في مونتريال، وطوال عملي في مجال الطب أكثر من خمسين عاما، لم أجد أفضل من خدمات مونتريال، ونحن هنا نتكلم عن الطب العام، وليس عن الحالات الخاصة التي يدفع الأثرياء ثمنها.

سؤالي الثاني لأعضاء طاولتنا كان: ماذا تفعلون بوقتكم منذ الصباح وحتى وقت ساعة النوم؟ 
هنا الإجابات كانت متنوعة بتنوع الأشخاص وثقافاتهم واهتماماتهم. فمنهم من يذهب بعد جلسة المقهى إلى التسوق، ويتم تبادل الخبرات في هذا المجال، خاصة الأسعار، ومكان وجود الغرض المطلوب، وأفضل الأوقات للذهاب لشرائه، وهل سيكون متطابقا مع المواصفات التي تطلبها الزوجة أم لا؟

لا يفكرون في قضاء المتبقي من العمر في مواطنهم الأصلية (روبيرتو مشادو نوا/getty) 


كان هناك شبه إجماع على رؤية البرامج العربية المتلفزة، ومتابعة القنوات العربية، التي أصبحت مجانية تقريبا بفضل انتشار الإنترنت. واحد فقط من المجموعة يلتحق دائما بأكثر من نوع من أنواع الرياضة، خاصة اليوغا منها، ومتقاعد آخر يتابع دورات لتعلّم الرقص. ففي مونتريال الكثير من الأندية والجمعيات التي تهتم بتوفير نشاطات ترفيهية وتعليمية للمسنين من الجنسين، منها تعلّم الرسم والموسيقى والتطريز وعلوم الكمبيوتر البسيطة وطرق استخدام الإنترنت، وغير ذلك من الأنشطة.
رعاية ونشاطات ترفيهية تخفف وطأة الشيخوخة(ديفيد بويلي/فرانس برس) 

قال لي أحد الأصدقاء، وهو أستاذ في إحدى الجامعات: يوجد الكثير من المسنين الذين يتابعون درسا معينا، فمثلا المهتم بالتاريخ يلتحق بدرس يغطي فترة تاريخية معينة، والذي يهتم بالسياسة مثلا يتابع درسا عن الشرق الأوسط، وتجد فعلا أن المتقاعدين، خاصة الميسورين منهم، يقومون بتنمية هوايات لم يستطيعوا الاهتمام بها في شبابهم، فيجدون في التقاعد فرصتهم.
بعض أعضاء جلستنا يستفيدون، رغم دخلهم الضعيف، من فرق السعر في قيمة العملة، فيقومون بجولات سياحية إلى البلدان الفقيرة، أما المتقاعد الغني فيستطيع الدوران حول العالم بأرخص الأسعار.

الملاحظة الأخيرة التي لا بد من الإشارة إليها، هي أن طاولتنا سورية، وينضم لها أحيانا أحد اللبنانيين أو المصريين، وكانت طوال سنوات تتميز بالحديث السياسي، نتيجة أوضاع البلد. الآن، الجميع تقريبا يهرب من الحديث السياسي إلى أي موضوع آخر يخفي خيباتهم وحسرتهم على بلدهم.

المساهمون